يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ..). الآية ؛ أن يكون في الاعتقاد والرؤية.
ويحتمل أن يكون في حق الفعل نفسه ؛ فإن كان في الاعتقاد والرؤية ، فأهل الإسلام لا يعتقدون [ذلك] ، وإن كان في حق الفعل فإنهم ربما يفعلون ذلك.
وحمله عندنا على الاعتقاد أوجب وأقرب ؛ لما وصفنا أن اليتيم لا ناصر له ، وليس للكافر خوف العاقبة ؛ لما لا يؤمن بذلك ، وإنما يمتنع المرء في الغالب من سوء الصحبة ؛ لهذين : إما رغبة في جزاء الآخرة ، أو خوف المكافأة في الدنيا ، والمساكين ليس لهم في الدنيا ما يكافئهم ويجازيهم ، وليس لليتيم ناصر ؛ ليخاف منه ، ولم يكن للكافر رغبة في ثواب الآخرة ، ولا خوف من (١) العقاب ؛ لعدم تصديقه بذلك.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) هو النهاية في وصفه بالبخل ؛ لأن الحث على الصدقة أن يرجيه ويطمعه في ثوابه ، فإذا لم يرج هو نفسه ، فكيف يرجي غيره؟ مع ما أن الحكمة عند هؤلاء الكفرة أن من جر إلى نفسه نفعا فهو الحكيم ، ومن ضر نفسه فهو جائر غير حكيم ، وهو إذا منع الصدقة نفع نفسه ، وإذا أوفى اليتيم حقه ضرها ؛ فلذلك لا يرغب فيها ؛ فهذا المعنى الذي وصفناه ، دعانا إلى توجيه التأويل إلى الاعتقاد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) : إن كان هذا في أهل النفاق ، فأهل النفاق كذلك كانوا لا يفعلون شيئا من الطاعات إلا وكانوا عنها لاهين ساهين ، وإذا فعلوا شيئا منها ، فعلوا مراءاة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ١٤٢] ، وقوله : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) [التوبة : ٥٤] ، فذكر كسلهم وبخلهم ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ..). إلى آخر ما ذكر في المنافقين على ما ذكرنا من نعتهم.
وجائز أن يكون في أهل الكفر ، وأهل الكفر كانوا يصلون ، كقوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ..). [الأنفال : ٣٥] ، أخبر أن صلاتهم في الحقيقة ليست بصلاة ؛ فجائز أن تكون على صورة [الصلاة الحقيقة](٢) ، وقد ذكر أنهم كانوا يصلون مستقبلين نحو أصنامهم ، يرون (٣) الناس كثرة اجتهادهم في طاعة الأصنام ، حتى إذا رآهم (٤) من نأى عنهم ظن [أن ذلك](٥) حق ، فيكون في ذلك صد عن إجابة الرسول ،
__________________
(١) في ب : عن.
(٢) في أ : الحقيقة.
(٣) في ب : يراءون.
(٤) في أ : رأوهم.
(٥) في أ : أنه.