وقال بعضهم يومئذ تبين وتقع أخبارها التي أخبروا في الدنيا فكذبوها ، يومئذ يتبين لهم ذلك ، ويقع لهم مشاهدة عيانا من الحساب والثواب والعقاب ، وفي الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أتدرون ما أخبارها؟» قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها» (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) :
من قال بأن أخبارها من شهادتها بما عملوا على ظهرها ، يكون تأويله قوله ـ تعالى ـ : (أَوْحى لَها) ، أي : أذن لها ربها بالشهادة ؛ فتشهد.
ومن قال : إخبارها هو تزلزلها وتحركها والأحوال التي تكون منها يقول على إسقاط (لَها) يقول : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) ، أي : فعل ذلك بها ، والوحي قد يكون الوحي والإلهام والأمر ، ويستعمل فيما يليق به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) : يحتمل صدور الناس من وجهين : أحدهما : يصدرون من قبورهم إلى الحساب ؛ ليروا كتابة أعمالهم ، أي : ليروا ما كتب من أعمالهم التي عملوا في الدنيا ، ويحتمل صدورهم على ما أعد لهم في الآخرة من الثواب والعقاب ؛ فعلى هذا التأويل ؛ ليروا [جزاء أعمالهم](٢) التي عملوا في الدنيا ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ..). [الزمر : ٧١] هذا تفسير قوله : (أَشْتاتاً).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) :
قال بعضهم (٣) : يرى الكافر ما عمل من خير في الدنيا ، وأما في الآخرة فلا يرى ؛ لأنه لا يؤمن بها ، ولا يعمل لها ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ..). [الإسراء : ١٨] ، والمؤمن يرى ما عمل من شر في الدنيا ، وما عمل في الآخرة ؛ وعلى ذلك روي في الخبر أن أبا بكر [الصديق](٤) ـ رضي الله عنه ـ كان جالسا
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٣٥) كتاب صفة القيامة ، باب : (٧) (٢٤٢٩) وأخرجه الحاكم (٢ / ٥٣٢) وصححه وتعقبه الذهبي ، وقال : يحيى منكر الحديث.
(٢) في ب : أجرا للأعمال.
(٣) قاله ابن عباس بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٧٧٤٤) ، وابن المنذر ، والبيهقي في البعث عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٤٧) وهو قول محمد بن كعب القرظي أيضا.
(٤) سقط في ب.