وقال ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ..). [الجن : ١٨] ، خصت هذه البقاع بالفضيلة على غيرها ؛ لعبادات جعلت فيها ؛ فعلى ذلك جائز أن يخص بعض الأوقات دون بعض بالفضيلة ؛ لمكان عبادات جعلت فيها ، لكن بيّن تلك الأماكن ، ولم يبين تلك الأوقات المفضلة ، وجعلها مطلوبة من بين غيرها من الأوقات ؛ فهو ـ والله أعلم ـ : أن لو بين ، وأشير إليها ؛ لكان لا مئونة تلزم لطالبه في ذلك ؛ لأنه يحفظ ذلك الوقت وتلك الليلة خاصة ، وأما المكان تلزم المؤنة في إتيان ذلك [المكان](١) ، وعلى ذلك يخرج ما (٢) لم يبين وقت خروج روح الإنسان من بدنه ؛ لأنه لو بين ، وأعلم نهاية عمره ، لتعاطى الفسق ، وارتكب المعاصي ؛ آمنا إلى آخر أجزاء حياته ، ثم يتوب ؛ فلم يبين ؛ ليكون أبدا على خوف وحذر ورجاء ؛ فعلى ذلك لم يبين تلك الليلة ؛ لتطلب من بين الليالى جميعا ؛ ليحيوا ليالي غيرها ، والله أعلم.
ثم إن كان السؤال عن القرآن هو (٣) المنزل في تلك الليلة ، يكون دليله قوله : (حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ..). [الدخان : ١ ، ٣].
وإن كان السؤال عن ليلة القدر ؛ فيكون البيان عنها.
ثم قوله : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : يقول : ما كنت تدري حتى أدراك ؛ كقوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا ..). [هود : ٤٩].
ويحتمل قوله : (وَما أَدْراكَ) على التعظيم لها والتعجيب ، والله أعلم.
وقيل : نزول هذه الآية يكون على معنى التسلي ، أعطاه فضل هذه الليلة ، والعمل فيها ، ثم بين فضلها حيث قال : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ، اختلف فيه :
قال بعضهم (٤) : إن النبي صلىاللهعليهوسلم أري بني أمية على منبره ؛ فساءه ذلك ؛ فنزل قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ..). ، أي : [من](٥) ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية يا محمد ، صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : حيث.
(٣) في ب : فهو.
(٤) قاله الحسن بن علي أخرجه ابن جرير (٣٧٧١٤) ، والترمذي وضعفه ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٥٣) ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن المسيب.
(٥) سقط في ب.