لكن يعرف ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بطريق الحقيقة ، ويظهر منه ذلك باليقين ، فأما من غيره فإنما يعرف التجافي من دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود بالتقارب ، وغالب الظن ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت له الآخرة لا محالة ، وأمورها كالمشاهدة والمعاينة ، وكذلك جميع الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ فأما لغيرهم فلا نحكم بذلك ؛ فلا يبلغ ذلك ، وهو كما ذكر أن رؤيا الأنبياء كالعيان ، أي : تعرف بطريق اليقين ، بخلاف رؤيا غيرهم.
وقال بعضهم : شرح صدره ؛ لأنه لما كلف بتبليغ الرسالة إلى الجن والإنس وإلى الفراعنة والجبابرة الذين همتهم إهلاك من يخالفهم ، والإقلاع عن عبادة من يعبد الله ضاق صدره لذلك ، وثقل على قلبه ؛ فوسع الله صدره وشرحه حتى هان ذلك عليه وخف ، وهو قول أبي بكر الأصم ، إلا أنه يقول : فعل ذلك به ، وحقق (١) بالآيات والحجج ، ونحن نقول باللطف منه ، حتى قام بوفاء ما كلف وأمر ، أما هو لا يقول باللطف والاختصاص [للبعض دون البعض ؛ لقوله](٢) بالأصلح.
ويحتمل أن يكون ما ذكر من شرح صدره وتوسيعه هو ما ذكر في قوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤] ، وخلقه كان يجاوز وسعه وطاقته ؛ حتى كادت نفسه تهلك لمكان كفر أولئك ، وما يعلم أنه ينزل بهم ؛ إشفاقا عليهم ، ورحمة ، كقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الآية [الشعراء : ٣] وقوله : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ..). الآية [هود : ١٢] ، وغير ذلك من أمثال هذا ، وذلك ـ والله أعلم ـ ما وصف من خلقه أنه عظيم ، فوسع صدره وشرحه حتى يخفف ذلك عليه ؛ حيث قال له : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ..). [فاطر : ٨] ، وقال : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [الآية](٣) [الحجر : ٨٨].
وقال الحسن في قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) : بلى ، قد شرح له صدره ، وملأه علما وحكمة.
ثم قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) إلى [آخر] ما ذكر ، إن كان المخاطب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو المعنى والمراد به ، فتأويل السورة يخرج على ما ذكرنا من تيسير (٤) الأمر عليه ،
__________________
(١) في ب : وخفف.
(٢) في ب : للبعض كقوله.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : تبيين.