فدل أن العاقبة هي التي تصير هذا محمودا.
ولأن الخلق جميعا من مسلم وكافر ، ومحسن ومسيء ، قد استووا في نعم هذه الدنيا ولذاتها مما ذكرنا من ممر الليل والنهار [و] مما يخلق فيها من النبات والثمار والعيون والأشجار ، فإذا وقع الاستواء في هذه الدار ، وبه وردت الأخبار عن النبي المختار أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار ـ لا بد من دار أخرى للأشقياء والأبرار ؛ ليقع بها التفاوت [بين الأبرار](١) والأشرار ، والنافع منهم نفسه والضار ، وإذا ثبت أنهما استويا في منافع الليل والنهار ، وجميع ما في الدنيا من الأنزال وغيرها ، فإذا وقع الاستواء بينهم في الدنيا لا بد من دار أخرى [فيها](٢) يقع التفاوت والتفاضل بينهم ، وفيها يميز بين (٣) ما ذكرنا.
ثم بين أن السعي الذي يقع الجزاء له مختلف ، ما ذكر بقوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) ، وهو يخرج على وجوه :
يحتمل (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) ، أي : أعطى ما أمر به ، واتقى عصيانه (٤) وكفران نعمه ، أو اتقى المنع ، أو من أعطى التوحيد لله ـ تعالى ـ من نفسه ، واتقى الشرك والكفران لنعمه ، وصدق بموعود الله ـ تعالى ـ : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) : للأعمال والشرائع ؛ إذ نشرح صدره للتوحيد والإسلام ونيسره (٥) عليه.
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) ، ولم يأت بالتوحيد ، (وَاسْتَغْنى) عن الله ـ تعالى ـ بما عنده ، (وَكَذَّبَ) بموعود الله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) ؛ لما (٦) بعده من الأعمال ، والله أعلم.
والثاني : في حق القبول والعزم على وفاء ذلك بقوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) ، أي : قبل الإعطاء ، وعزم على وفاء ذلك ، (وَاتَّقى) ، أي : عزم [على] اتقاء معاصي الله ـ تعالى ـ ومحارمه.
(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) ، أي : بموعوده ؛ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) ، أي : سنيسره لوفاء ما عزم [عليه] ، (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) ، أي : عزم على البخل والمنع بذلك ، (وَاسْتَغْنى) بالذي له وعنده (٧) ، (وَكَذَّبَ) بموعود الله تعالى (فَسَنُيَسِّرُهُ) لوفاء ما عزم [عليه] من الخلاف لله
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : من.
(٤) في ب : عصيان.
(٥) في ب : وييسر.
(٦) في ب : كما.
(٧) في ب : وعيده.