شتى ، وأدلة متفرقة من الفقه والأحكام :
أحدها : أن الله تعالى قال : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) والمعروف إليها في المتعارف من نوع الفعل أظهر من نوع القول ؛ لأنه إنما يحسن إليها ، استمتاعا وإنفاقا ونحو ذلك ، فذلك نوعه نوع الفعل ؛ فثبت أن حقيقة الإمساك بالمعروف في الأفعال ؛ فلذلك قلنا : إنه إذا راجعها بالفعل يكون مراجعا ؛ فإن قيل : أليس قال الله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) والإشهاد على الفعل غير صحيح؟
فجوابه أن يقال : إن الله تعالى قال : (وَأَشْهِدُوا) ، ومعلوم أن هذا لو كان بحضرة الشهود ، لم يكن للإشهاد معنى ، بل إذا سمعوا ذلك ، [صاروا شهداء](١) أشهدوا أو لم يشهدوا ، وإذا كان كذلك ، ثبت أن المعنى من هذا الإشهاد على الإمساك المتقدم ، وذلك في الأفعال مستقيم ، والله أعلم.
ووجه آخر : وهو أن كل عقد استقام بغير شهود جرى فيه الأمر بالإشهاد نحو قوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] ، وكل ما جعل الشهود فيه شرطا لقوام العقد ، جرى الذكر فيه «لا ... إلا» بشهود ، نحو قوله : «لا نكاح إلا بشهود» ، فلما جرى الذكر في هذه الآية بالأمر بالإشهاد بقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، ثبت أنه يستقيم من غير شهود ، والله أعلم.
ثم في قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) دليل على أن المراد من الأقراء هو الحيض ؛ فإنه ذكر نوع هذا في كتاب الله في مواضع ؛ قال الله تعالى في موضع : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٤] ، وقال في آية أخرى : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) [البقرة : ٢٣٢] ، وقال في هذا الموضع : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، ومعلوم أن معاني هذه الألفاظ مختلفة وإن اتفقت مخارجها ، واختلافها : أن يكون المراد ببلوغ الأجل في أحد النوعين على التمام وانقضاء الأجل ، والثاني على الإشراف عليه ، وأحق ما يكون في حق الإشراف على البلوغ هو ما يرجع إلى الأزواج ؛ لأنه قد كان لهم حق الإمساك قبل انقضاء الأجل ، وهم أحق بهن ما لم [يتم بلوغ الأجل](٢) لا بعده ، وإذا ثبت أن المعنى من قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) في هذا الموضع هو الإشراف على البلوغ والقرب من انقضاء الأجل دون التمام ، ثبت أن الأقراء : هي الحيض ؛ لأنه لو كان المراد منها الأطهار لم يعرف إشراف الأجل
__________________
(١) في ب : كانوا شهودا.
(٢) في ب : تتم المدة.