وقوله ـ عزوجل ـ : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ) ، قال بعضهم : بمسلط.
وقال بعضهم : لست بجبار.
فإن أريد به
الوجه الأول فهو مما يحتمله ، ويجوز أن يسلط عليهم في أن يؤذن بقتالهم ، وأسرهم
وقهرهم ببذل الجزية ؛ ولهذا قيل : إن هذا كان قبل نزول سورة براءة.
وإن كان تأويله : لست بجبار عليهم ؛ على ما روي عن مجاهد ؛ فهذا الوجه مما لا يرد عليه النسخ ، ولا يجوز أن يصير
جبارا عليهم ، ولا يكون قوله : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى
وَكَفَرَ) استثناء ، ويكون معناه : لكن من تولى وكفر فيعذبه الله
العذاب الأكبر ، أي : من أعرض عن طاعة الله تعالى وكفر بوحدانية الله تعالى وبكتبه
ورسله ، [فيعذبه الله العذاب] الأكبر.
وعلى التأويل
الذي قيل : إن المسيطر هو المسلط بالسيف والأسر والقهر بالجزية التي هي صغار عليهم
ـ يكون قوله تعالى : (تَوَلَّى وَكَفَرَ) على الاستثناء ، أي : من أعرض عن طاعة الله تعالى ،
وكفر بوحدانية الله فسيسلط عليهم بالسيف ، والأسر ، وأخذ الجزية.
وقيل : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) ، أي : أعرض ، ولزم الإعراض ؛ فيكون مسيطرا عليهم.
أو تولى وقت
التذكير فسينتصر عليه ، وبالله النجاة.
وفي هذه الآية
بشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالظفر على الذين تولوا عن طاعة الله تعالى وكفروا به.
وفيه آية
رسالته ؛ لأنه قال هذا في وقت ضعفه ، وقلة أنصاره ، وكان الأمر كما قال ؛ إذ نصره
الله ـ تعالى ـ بالرعب مسيرة شهرين ، وفتحت له الفتوح ؛ ليعلم أنه بالله ـ تعالى ـ
علم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ) ، أي : مرجعهم.
وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) ، أي : من الحكمة أن نحاسبهم ، وإذا كانت الحكمة توجب
حسابهم وتعذيبهم ، كان عليه أن يحاسبهم لما في تركه ترك الحكمة ، وفي تركها سفه ،
تعالى الله عن ذلك ، وبالله النجاة ، ومنه التوفيق.
__________________