ويحتمل : (ذاتِ الرَّجْعِ) ، أي : بتكرر إدرار بركتها على الخلق استوفوا منها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) قيل (١) : (ذاتِ الصَّدْعِ) بالنبات.
أو (ذاتِ الصَّدْعِ) ، أي : ذات أودية وأنهار يجتمع فيها الماء ، فينتفع بها الخلق لسقي (٢) أراضيهم ودوابهم ؛ فعظم أمر السماء والأرض ؛ فأقسم بهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يعني : القرآن ، وليس بالهزل.
وفي إخراج النبات من الأرض حكمة عجيبة ولطف تدبير ؛ وذلك أن النبات شيء لين ينثني بأدنى مس ، ثم إن الله ـ تعالى ـ بلطفه صدع له الأرض اليابسة الصلبة ، وأخرجه (٣) منها غير منثن ولا منكسر ؛ ليعلموا أن مدبره حكيم ؛ فيلزمهم به التوحيد.
وجعل منافع الأرض بمنافع السماء متصلة ؛ إذ الأرض إنما تتصدع للنبات إذا أصابها المطر من السماء ؛ فيكون في ذلك إنباء ـ أيضا ـ أن مدبرهما واحد ، ولو لا ذلك لم تتصل منفعة إحداهما بالأخرى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) أي : بيّن ، بيّن فيه الحلال والحرام ، وما يتقى عنه ، وما يؤتى ، وبيّن فيه الصواب من الخطأ ، وبيّن فيه الوعد والوعيد.
أو يكون معنى الفصل : التفريق ، وهو أن فرق الوعد من الوعيد ، والحلال من الحرام ، والحق من الباطل ؛ فوضع كل شيء موضعه ، ولم يخلط أحدهما بالآخر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) ، أي : باللعب والباطل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً. وَأَكِيدُ كَيْداً) ، فقوله : (وَأَكِيدُ كَيْداً) يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : أجزيهم جزاء كيدهم ؛ فسمى الجزاء باسم ما له الجزاء وإن لم يكن ذلك كيدا ، كما سمى الجزاء للسيئة : سيئة مثلها ، وإن لم يكن الجزاء سيئة ، وكما سمى جزاء الاعتداء : اعتداء ، وإن لم يكن الجزاء اعتداء بقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] ، وقال : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، أي : جزاهم جزاء النسيان ، أو جعلهم كالشيء المنسي الذي [لا](٤) يعبأ به ، لا أن يكون منه
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٩٥٣ ، ٣٦٩٥٤) ، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، والبخاري في تاريخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٦١) وهو قول الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم.
(٢) في ب : ليسقي.
(٣) في ب : وأخرج.
(٤) سقط في ب.