[وأجابت](١) إلى ما دعيت إليه.
ثم المراد من الإذن مختلف ؛ فحقه أن يصرف كل شيء إلى ما هو الأولى به ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : «أذن الرجل لعبده في التجارة» ، فلست تريد بقولك : «أذن» ، ما تريد به إذا أذنت لغيرك أن يتناول من طعامك ، بل تريد بالإذن (٢) للعبد الأمر بأن يتجر ، حتى لو لم يفعل ، تلومه على ذلك ، وتريد بالآخر (٣) إباحة التناول ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٤٥] ، وقال في موضع آخر : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [يونس : ١٠٠] ، فكان المراد من الإذنين مختلفا ؛ فثبت أن حقه أن نحمله إلى ما إليه أوجه ، وهو إلى الطاعة والإجابة هاهنا أوجه ؛ لذلك حملوه عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحُقَّتْ) ، أي : حق لها أن تسمع وتطيع.
وجائز أن تكون الإجابة منصرفة إلى أهلها ، ثم نسب إليها ذلك وإن كان المراد منه الأهل ؛ كقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) [الطلاق : ٨] ، ولا يوجد (٤) من القرية عتو ، وإنما يوجد (٥) من أهلها ، فإن كان كذلك ، ففيه أنه لا يتخلف أحد من الإجابة إلى ما دعاه إليه الرب ـ تعالى ـ خلافا على ما كانوا عليه من الدنيا ، فإن كثيرا من أهل الدنيا ، أعرضوا عن طاعته ، واشتغلوا بمعصيته.
ثم الإجابة والطاعة والطوع والكره ، ومثل هذه الأوصاف إذا أضيفت إلى من هو من أهل الاختيار ، فهي على الطوع (٦) المعروف والإجابة المعروفة ، وإذا أضيفت إلى من ليس هو من أهل الاختيار فهو على تغيير (٧) الهيئة ؛ على ما عليه الخلقة ، نحو الأرض توصف بالحياة ؛ إذا أنبتت ، وتوصف بالموت ؛ إذا يبس ما عليها ، وصارت متهشمة ؛ فيراد بها : أنها صارت بهيئة لو وجدت تلك الهيئة في الروحانيين لصار أحدهما علما لحياته ، والآخر علما لوفاته ، وقال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : بالأول.
(٣) في ب : بالآخرة.
(٤) في ب : يؤخذ.
(٥) في ب : يؤخذ.
(٦) في ب : التطوع.
(٧) في أ : تعيين.