يعطى الرجل مثل سعة الدنيا وعرضها» فذلك النظر يجاوز عما في الحجال ؛ فيقع خارجا منها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) ، أي : تعرف لو نظرت في وجوههم نضرة النعيم ، فجائز أن تكون النضرة منصرفة إلى نفس الخلقة ، وهو أنهم أنشئوا على خلقة لا تتغير ، ولا تفنى ، بل بهجة نضرة.
أو تكون نضارتهم بما أنعموا من النعيم.
ثم خصت الوجوه ؛ لأن النظر من بعض إلى بعض يكون إلى الوجوه ، لا إلى غيرها من الأعضاء ؛ فخصت الوجوه بالذكر لهذا ، لا أن تكون النضرة لها خاصة ؛ بل النضرة تشتمل سائر البدن.
والثاني : أن السرور إذا اشتد في القلب أثر في الوجوه ، وكذلك الحزن يؤثر في الوجه إذا اعترى في القلب ؛ فيكون في ذكره (١) نضرة الوجه إخبار عن غاية ما هم عليه من السرور.
وقوله : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) قال بعضهم (٢) : الرحيق : هو الخمر الذي لا غش فيه ، وهو أن يكون مطهرا من الآفات.
وقال بعضهم : هو شيء أعده الله ـ تعالى ـ لأوليائه ، لم يطلعهم على ما يتهيأ في الدنيا على ما قال : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] ، فهو شراب تقر به أعينهم مما أخفي لهم إلى الوقت الذي يشربونه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَخْتُومٍ. خِتامُهُ مِسْكٌ) جائز أن يكون راجعا إلى حال الإناء الذي فيه الرحيق ، وهو أنه مختوم لم تتناوله الأيدي ، وكذلك ترى المرء في الدنيا يختم نفيس شرابه الذي في الإناء بالفدام في الدنيا ، فيخبر أن ذلك الشراب في الإناء على الوجه الذي كانوا يؤثرونه في الدنيا ، وأخبر أن ختامه بأنفس شيء عرفوه في الدنيا ، وهو المسك ، ليس كالختام في الدنيا ؛ لأنهم يختمون أوانيهم في الدنيا بالشيء الرذل ، وبما لا قدر (٣) له عندهم.
وجائز أن يكون منصرفا إلى الشاربين : أنهم لا يشربون أبدا ، بل يكون له ختم ولكن لا تنقطع لذة الشراب عنهم ؛ بل أبدا يجدون من ذلك ريح المسك.
__________________
(١) في ب : ذكر.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٦٦٨ ، ٣٦٦٦٩) وهو قول مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد.
(٣) في أ : قدرة.