يؤمنون بها ، ثم أخبرهم أن عليهم حفاظا ؛ لأن الذي حملهم على الجهل تركهم الإنصاف من أنفسهم ، وإلا لو أنصفوا من أنفسهم ، لكان إعطاؤهم النصفة يوصلهم إلى تدارك الحق ومعرفة ما عليهم من الواجب.
ثم قد ذكرنا أن المرء إذا كان عليه حافظ ، أداه ذلك [إلى](١) المراقبة ؛ فيرتدع عن تعاطي ما يؤخذ عليه ، فنبهنا أن علينا حفاظا ؛ ليحتشم عنهم ، ولا يأتي من الأمور ما يسوءهم ، ووصف أنهم كرام ؛ ليصحبهم صحبة الكرام ، [ومن صحبة الكرام أن يحترمهم](٢) ، ويتقي مخالفتهم ، ولا يتعاطى ما يسوءهم ، وذلك قوله : (راماً كاتِبِينَ).
وفي ذكر الكرام فائدة أخرى ، وذلك أن قوله : (كِراماً كاتِبِينَ) ، أي : كرام على الله تعالى ، والكريم على الله ـ تعالى ـ هو المتقي ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] ؛ فيكون فيه أمان لهم : أنهم لا يزيدون ، ولا ينقصون في الكتابة ، وإنما يكتبون [على](٣) قدر أعمالهم (٤) ، كما ذكرنا من الفائدة في وصف جبريل ـ عليهالسلام ـ بالقوة والأمانة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم يعلمون ما نفعله (٥) قبل أن نفعل (٦) بما عرفهم الله ـ تعالى ـ فيكون في تعريفه إياهم إلزام الحجة عليهم ، ويكون الذي يكتبون امتحانا امتحنوا به ؛ إذ قد فوض إلى بعضهم أمر كتابة الأعمال ، وإلى البعض إرسال الأمطار ، ونحو ذلك.
أو (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) وقت فعلكم جهة الفعل من خير أو شر ؛ فيكون لفعل الخير آثار بها يعرفون أن الفاعل قصد به جهة الخير ، ويكون لفعل الشر آثار بها يعرفون ذلك أيضا.
ثم عذر المسلمين في ترك المراقبة أقل من عذر المكذبين بالدين ؛ لأن المسلمين علموا أن عليهم حفاظا يحفظون عليهم أعمالهم ، ويكتبونها عليهم ، ثم هم مع ذلك يغفلون ، ولا يصحبونهم صحبة الكرام ، ويتركون التيقظ والتبصر (٧) ، والكفرة ينكرون أن يكون عليهم حفاظ ، ومن كان هذا حاله فالإغفال من مثله غير مستبعد.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : أن يحترم لهم.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : عملهم.
(٥) في ب : نفعل.
(٦) في ب : يفعل.
(٧) في ب : التبصير.