تزكيت ، أو هل لك رغبة إلى ما تزكو به نفسك وتنمو.
ثم في هذه
الآية دلالة أن من أراد أن يدعو آخر إلى ما فيه رشده وصلاحه ، فالواجب عليه أن
يدعوه أولا بالرفق واللين ؛ كما أمر موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ بقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً
لَيِّناً) [طه : ٤٤] ، وبقوله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ
تَزَكَّى) ثم إذا ترك الإجابة ختم كلامه بالتعنيف ؛ كما فعل موسى
ـ عليهالسلام ـ بقوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ
يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) [الإسراء : ١٠٢] بعد قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما
أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الإسراء : ١٠٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَهْدِيَكَ إِلى
رَبِّكَ فَتَخْشى) ، أي : أهديك إلى ربك فتهتدي ، ثم تخشاه إذا اهتديت ؛
أي : عرفت عظمته وجلاله ؛ فتخشى عقوبته ؛ فيكون العلم مثمرا للخشية ؛ ألا ترى إلى
قوله : (إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨]. أو أهديك إلى طاعة ربك ، وأنذرك عقابه إذا عصيته ؛ فتخشى ؛
فلا تعصيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَراهُ الْآيَةَ
الْكُبْرى) : منهم من ذكر أن الآية الكبرى هي اليد ؛ سميت : كبرى ؛
لأن سحرهم عمل في الحبال والعصي ، ولم يعمل في اليد ؛ فكانت هذه الآية خارجة عن
نوع سحرهم ، فسميت : كبرى ؛ لهذا المعنى.
ومنهم من ذكر
أن الآية الكبرى هي العصا ؛ لأن غلبة موسى ـ عليهالسلام ـ على السحرة كانت بالعصا ، حيث تلقفت ما أتوا به من
السحر ، ولكن كل آياته كانت كبرى ، كما قال في آية أخرى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ
أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الزخرف : ٤٨] ، فكانت إحداهما أكبر من الأخرى عند ذوي الأحلام والنهى لمن
تأمل فيها وتدبر ، والله الموفق.
وقوله : (فَكَذَّبَ وَعَصى) ، أي : كذب بآيات الله ، وعصى نبيه موسى ؛ فلم يطعه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ أَدْبَرَ
يَسْعى) ، قال الحسن : كان خفيفا طيّاشا ، وإلا فالملوك إذا
دعوا إلى أمر تدبروا فيه وتفكروا : إما ليجيبوا الداعي إلى ما دعاهم ، أو ليردوا
عليه ، فأما الإدبار والسعي فليس إلا من الخفة والطيش.
وقال غيره : أدبر عن طاعة الله ـ تعالى ـ وتولى عنه ، وسعى في جمع
السحرة.
أو سعى في جمع
من قال لموسى ـ عليهالسلام ـ : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا
وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا
__________________