بصره على شيء فشيء ؛ رجاء أن يستدرك ما فيه خلاصه وسلامته من ذلك الأمر ، ثم (١) ينقطع عنهم التدبير في ذلك اليوم ؛ فتكون القلوب هواء لا تقر في موضع ، ولا تقف على تدبير ؛ لشدة ما حل بهم ، وتكون الأبصار خاشعة ذليلة إلى ما يدعو الداعي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) ، أي : يقولون : أإنا لنرد إلى ما كنا عليه في الدنيا في ابتداء الأمر خلقا جديدا ؛ يقال : أتى فلان فلانا ، فرجع على حافرته ؛ يقول : على مجيئه الأول.
ويقال : النقد عند الحافرة ؛ أي : عند أول البيع والكلام ، فقالوا هذا على جهة الإنكار بالبعث والاستهزاء به.
قال أبو بكر : هذا مأخوذ من حافر الدابة ، وهو أن الفارس يمكنه أن يصرفها بحافرتها إلى الموضع (٢) الذي ابتدأ السير منه من وراء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) وناخرة ؛ فالناخرة : هي البالية التي لم تفتت بعد ، والنخرة هي التي صارت رفاتا ودرست حتى تنسفها الريح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ، قال الحسن وأبو بكر : هذا منهم تكذيب للبعث ؛ أي : لا يكون أبدا.
وقال غيرهما : معناه : أن لو كانت كرة كما يزعمها المسلمون فهي كرة خاسرة على المسلمين ؛ لأنهم ظنوا أنهم إذا كانوا في الدنيا أنعم حالا وأرغد عيشا ، وكان المسلمون في ضيق من العيش وشدة من الحال ـ أن يكونوا كذلك في الآخرة ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) [الكهف : ٣٦] فكانوا يظنون أنهم بما أنعم الله ـ تعالى ـ عليهم إنما أنعم ؛ لأنهم أقرب منزلة ، وأعظم درجة من المؤمنين ؛ إذ لا يجوز أن يضيق على أوليائه ، ويوسع على أعدائه ، فإذا وسع عليهم ظنوا أنهم هم المفضلون في الدنيا والآخرة ، وأن من خالفهم هم الأخسرون.
ومنهم من قطع هذا الكلام عن مقالة الكفرة ، وزعم أن هذا الوصف راجع إلى الكفرة ، فقيل : خاسرة ؛ لما خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم ، وخاسرة ، أي : مخسرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) ، ففيه إخبار عن سرعة كون ذلك الوقت وسهولته على الله تعالى.
__________________
(١) في ب : لم.
(٢) في ب : المواضع.