وعن الحسن أنه قرأ مخففة (كالقصر) ؛ غير أنه فسرها : أي : الجزل من الخشب ؛ الواحد : قصرة ؛ كقولك : تمرة وتمر (١) ، والله أعلم.
وفيه إخبار عن عظم شررها وقدرها خلافا لما عليه سائر الشرر في الدنيا ؛ لأن شرر الدنيا لا يأخذ مكانا ؛ بل يتبين ثم ينطفئ.
ثم جائز أن يكون بعض شررها في العظم كالخيام ، وبعضه كالقصور ، وبعضه كأصول الأشجار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) قرئ : جملت صفر جماعة الجمل ، وقرئ : جمالات جمع جمالة.
والصفر : قيل (٢) : السود ، وإنما سميت السود : صفرا ؛ لأن السود تعلوها الصفرة في الإبل ، فتسمى بهما ؛ يدلك (٣) قول القائل عليه :
تلك حبلى منه وتلك ركابي |
|
هن صفر أولادها كالزبيب (٤) |
شبه الشرر بالقصر ، والقصر بالجمالة ، وهي الإبل السود.
وقرئ جمالات برفع الجيم ، وهي حبال السفن تمد ، ثم إذا ضمت تكون كأوساط الرجال ؛ فشبه الشرر بالحبال الممدودة الصفر عند الامتداد وعند الانضمام كأوساط الرجال ؛ فتكون كالقصر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) جائز أن يكون معناه : أنهم لا ينطقون نطقا ينتفعون به كما لم يكونوا ينطقون في الدنيا كلاما يقربهم إلى الله تعالى ، فعاملهم في الآخرة حسب معاملتهم الله تعالى في الدنيا ، وهو كقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر : ١٩] ، وقوله تعالى : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) الآية [طه : ١٢٥].
ومنهم من يقول (٥) : لا ينطقون في بعض المواضع ، وينطقون في بعضها.
ويحتمل : أي : لا ينطقون بحجة ؛ بل يكذبون ؛ كقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٥٩٧٥).
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٥٩٧٩ ، ٣٥٩٨٠) ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٤٩٥) وهو قول الحسن ، ومجاهد.
(٣) في ب : بذلك.
(٤) في أ : كالرباب.
(٥) انظر تفسير ابن جرير (١٢ / ٣٩١).