هذا فعل من لا يعلم العواقب ومن هو عابث في فعله ، جل الله تعالى عن مثل هذا الوصف ، إلا أن يحمل على الوعد إن ثبت الخبر ، أي : إن أسلم الكافر كان له ذلك المنزل في الجنة ، وإن ارتد المسلم عن الإسلام ، كان له ذلك المنزل في النار ، وهو عالم أن عاقبة أمره ما ذا : الكفر أو الإسلام؟ وأن مأواه النار أو الجنة وحكمه على ما علم وأراد ، ولكن الله تعالى عالم بما كان وما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف يكون ، فأخبر على ذلك ، وإلا لم يصح ، لما ذكرنا من المعنى ، والله الموفق.
ويحتمل : أنه إنما سماه : يوم التغابن ؛ لأن الدنيا جعلت أسواقا ، والأحوال التي تكون لهم رءوس الأموال ، والأعمال التي يعملون فيها ويكتسبون تجارة ؛ قال الله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الصف : ١٠] ، ثم قال : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ...). الآية [الصف : ١١] ، وقال في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ...). الآية [التوبة : ١١١] وقال (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] ، وقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) [البقرة : ٨٦] ، فإذا كانت الدنيا متجرا فالآخرة هي التي يقسم فيها الأرباح ، وفي ذلك يقع الربح والخسران ، ويظهر الغبن والفضل أو النقصان والزيادة ، والله أعلم.
أو سماه : يوم التغابن ؛ لما يظهر لهم في ذلك أنهم خسروا أو ربحوا ، ولا يظهر لهم ذلك في الدنيا ، ثم بين العمل الذي يربح عليه ، والعمل الذي يخسر به ، والتجارة التي يوصل بها إلى الأرباح ، والتي يلحق بها الخسران ، وهو ما قال : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...). الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا ...). الآية.
ثم قوله ـ عزوجل ـ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً).
يعني : ومن يؤمن بالله على ما جاءت به الرسل جملة ، وأن له الخلق والأمر ، ويؤمن بالرسل والبعث ـ فذلك هو الإيمان بالله تعالى.
وقوله : (وَيَعْمَلْ صالِحاً).
[يعني : ومن يؤمن بالله ويعمل](١) في إيمانه صالحا إلى أن يموت.
وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا).
يعني : كفروا بوحدانية الله تعالى وبقدرته ، وكذبوا بآياته ، أي : بحججه ، أو كذبوا بالبعث (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
__________________
(١) في ب : أي : يعمل.