تعالى ـ يسر على نبيه حفظه ؛ حتى كان يعي جميع ما ينزل إليه [جبريل](١) ـ عليهالسلام ـ بما يقرؤه (٢) عليه مرة واحدة.
وقيل له : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) الآية [القيامة : ١٦] ؛ فضمن له الحفظ ؛ فأمن النسيان ، فأما غيره فإنه يشتد عليه أن لو كلفه حفظه بدفعة واحدة ؛ فأنزل مفرقا ، ليكونوا أقدر على حفظه ؛ ولهذا ما كثر حفاظ القرآن في هذه الأمة ، وكثر قراؤها ، وكثر فقهاء هذه الأمة ؛ لأن القرآن أنزل مفرقا على أثر النوازل ؛ فعرفوا مواقع النوازل ؛ فوقفوا على معرفة ما أودع في الآيات ؛ لمعرفتهم مواقع النوازل والمنسوخ ، ولو نزل جملة واحدة اشتبه عليهم الناسخ و (٣) المنسوخ ؛ فأنزله الله ـ تعالى ـ مفرقا ؛ ليكونوا بعلم الناسخ والمنسوخ والله أعلم.
ولأنه إذا أنزل مفرقا ، كانوا إليه أشوق ، وأرغب منه إذا أنزل جملة واحدة ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ ..). الآية [محمد : ٢٠] ، فأخبر أنهم يرغبون إلى أن تنزل عليهم سورة ، وإن كانوا قد أنزلت إليهم سورة من قبل.
وفيه ـ أيضا ـ تخويف للمنافقين ؛ كما قال الله ـ تعالى : ـ (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٦٤] ؛ فكان في إنزاله مفرقا ما ذكرنا من الفوائد والمنافع للمؤمنين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ).
فيه أنه ابتلاه (٤) بما تكرهه نفسه ، ويشتد عليها ، حتى دعاه إلى الصبر ؛ لأن المرء لا يدعى إلى الصبر على النعم واللذات ، وإنما يدعى إليه إذا ابتلي بالمكاره البليّات ، وقد صبر ـ عليهالسلام ـ على المكاره ؛ لأنه أمر بمضادة الجن والإنس ؛ فانتصب لهم حتى آذوه كل الأذى ، وهموا بقتله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) :
كأنه قال : ولا تطع من دعاك إلى ما تأثم فيه ، أو يكون كفورا.
أو لا تجب الآثم أو الكفور إلى ما يدعوك إليه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) :
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : يقرأ.
(٣) في ب : من.
(٤) في ب : ابتلاء.