صحة ما ذكرنا قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [يس : ٤٧] ؛ فثبت أنهم جحدوا أن يكون عليهم إطعام ؛ فدل أنه أريد بذكر الإقامة قبولها ، لا وجود عينها ، وعليهم أن يقبلوا إقامة الصلاة ، ويقروا بإيتاء الزكاة ، وقد يجوز أن يذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ويراد به القبول ؛ قال الله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥] ، ولم يكن إيجاد (١) الإقامة وإيجاد (٢) الإيتاء من شرط (٣) التخلية ؛ بل كان معناه على القبول ، فإذا أقروا بالصلاة وقبلوا إقامتها ، وأقروا بالزكاة ، لزم تخلية سبيلهم وإن لم يوجد منهم الفعل بعد ؛ فلذلك صلح حمل التأويل على القبول ، ولم يحمل على وجود حقيقة الفعل ؛ لما ذكرناه.
هذا إذا ثبت أن تأويل قوله : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) منصرف إلى الصلاة المعروفة ، فكيف وقد يجوز أن يكون أريد بالمصلين : الموحدين هاهنا ؛ لأن أهل الصلاة هم المسلمون ، يقال : «أجمع أهل الصلاة على هذا» ، ويعني به المسلمون.
ثم الله ـ عزوجل ـ جمع في الذكر بين التكذيب بيوم الدين وبين ترك الصلاة وترك الإطعام ، وهذا ـ والله أعلم ـ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الذي يقر بالصلاة والإطعام وإيتاء الزكاة هو الذي يقر بيوم الدين ؛ لأن المرء إنما يرغب في فعل هذه الأشياء ؛ لما يطمع من المنافع في العواقب ، ويتقي بتركها مخافة التبعة في العواقب ؛ فإذا لم يقر بيوم الدين ، لم يرج المنافع ، ولا خاف المضار ؛ فيحمله ذلك على ترك الإطعام وتضييع الصلاة ، وعلى ترك إيتاء الزكوات ، وعلى جحدها كلها وعدم قبولها ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون : ١ ـ ٣] ؛ لعدم رجاء العواقب ؛ فإذا لم ير لفعله عاقبة ، لم يقم بالانتصار لليتيم ، ولا قام بالإحسان للمسكين ، بل تكذيبه بيوم الدين يحمله على الجور على اليتيم ، وترك الإحسان إلى المسكين ؛ فلذلك جمع في الذكر بين [تكذيب](٤) يوم الدين وبين ترك الصلاة ، وإيتاء الزكاة وترك الإطعام.
وجائز أن يكون الذي حملهم على التكذيب بيوم الدين هذه الوظائف التي وظفت عليهم بالإسلام ؛ لأنهم إذا آمنوا بيوم الدين ، لزمهم تحمل هذه الأحمال من إقامة
__________________
(١) في ب : اتخاذ.
(٢) في ب : اتخاذ.
(٣) في ب : شرائط.
(٤) سقط في ب.