وقوله ـ عزوجل ـ : (أَسْفَرَ) ، أي : أضاء ، وانتشر.
وقوله : (إِذْ أَدْبَرَ) ، أي : ذهب.
وحكي عن الكسائي أنه قال : إن «دبر» لغة قرشية ، يقولون : ذهب كالأمس الدابر ، أي : الذاهب ، فيقولون : دبر في الأيام والشهور والسنين ، ولا يقولون في غير ذلك : لا يقولون : دبر الرجل ، ودبر الأمر ؛ ولكن يقال : أدبر.
وفي حرف ابن مسعود إذ ادبر ، وفي الحروف إذا أدبر ، والمعروف إذ أدبر كما قلنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) قيل : يعني : السقر.
ثم عذاب أهل النار ألوان ، وفي جهنم دركات ، والسقر : إحدى دركاتها ؛ إذ هي لون من ألوان العذاب ؛ فصارت هي من إحدى الكبر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ)
فمنهم من صرف النذارة إلى السقر ، ومنهم من صرفها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو كقوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأحقاف : ١٢] ، فمنهم من قرأ لتنذر بالتاء ، وصرف النذارة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. ومنهم من قرأ بالياء ، وصرفها إلى القرآن.
ثم الأصل أن ما خرج مخرج الأفعال مضافا (١) إلى الأشياء اللاتي ليست لهن أفعال ، فهو يقتضي أمرين :
أحدهما : ذكر الأحوال التي تقع لديها مما لو لم يكن ذلك سببا لم تحدث تلك الأحوال من غير أن يكون علة لها ؛ فنسبت إليها إذا صارت سببا ؛ لحدوث تلك الأحوال ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأنعام : ١٣٠] ، وحياة الدنيا لا تغر أحدا ، ولكنهم اغتروا بزينتها ، فنسب إليها الغرور لما كانت سببا لتغريرهم.
والثاني : أنها أنشئت على هيئة لو كانت من أهل التغرير ، لكانت تغر ، فنسب إليها الغرور لذلك.
وقال في قصة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] ، والأصنام ليست ممن ينسب إليها الإضلال ؛ لأنه لا فعل لها ، ولكن عبادها (٢) لما ضلوا بها ، نسب الإضلال إليها ، وهي ـ أيضا ـ على صورة لو كانت لها
__________________
(١) في أ : معناه.
(٢) في ب : عبادتها.