مستغفر فيغفر له؟» ، فجائز أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أول ما أوحي إليه كان بجبل فاران ، وهو جبل من جبال مكة ، أو كان ذلك الجبل منسوبا إلى ذلك المكان.
ثم في قوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) تثبيت (١) نبوة [نبينا](٢) محمد صلىاللهعليهوسلم وآية رسالته ، وذلك أن تعريف المرء بما عليه من الثياب (٣) ونسبته إليه ، لا يخرجه مخرج التعظيم والتبجيل ، وإنما التبجيل فيما يدعى باسمه أو بكنيته ، فلو كان الأمر على ما زعمت الكفرة : أن هذا القرآن ليس من عند الله ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي اخترعه من ذات نفسه ، لكان لا يعرف نفسه بثيابه ، بل يعرفها بما فيه تبجيلها وتعظيمها ، فإذ لم يفعل ثبت أنه كان رسولا حقا ، بلغ الرسالة على ما أوحي إليه ، وأدى كما أمر ، على ما ذكرنا في الآيات التي خرجت مخرج المعاتبة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن فيها تثبيت (٤) رسالته ؛ نحو قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) [عبس : ١] ، وغير ذلك من الآيات.
وجائز أن تكون نسبته إلى ثيابه ؛ ليعلم الخلق أن لا بأس للمرء أن يعرف أخاه بثيابه.
وجائز أن تكون نسبته إلى الثوب الذي يدثر (٥) به يخرج مخرج التعظيم لذلك الثوب ؛ لموافقته حال نزول الوحي ، وهذا كما ذكرنا : أن إضافة الأشياء إلى الله تعالى نحو الجزئيات تخرج مخرج تعظيم تلك الأشياء ، كقوله : ناقة الله ، ومسجد الله ، ورب العرش ، [على](٦) تعظيم العرش ، وتعظيم أمر الناقة ، وتشريف المسجد. وإضافة الأشياء إليه نحو الكليات ، يخرج مخرج تعظيم الله تعالى ؛ كقوله : رب العالمين ، رب السموات والأرض وما بينهما.
ثم أذن للمرء أن يسبح في ركوعه ، فيقول : «سبحان ربي العظيم» ، فيخص نفسه بقوله : «ربي» ، والحق في مثله أن يقول «سبحان ربنا» ؛ لئلا يخرج ذلك مخرج تعظيم النفس ؛ كقوله : «رب العالمين» ، و «رب السماوات والأرض وما بينهما» ؛ إذ الإضافة من الجانبين على السواء فيما ذكرنا ، لكن ذلك الذكر إذا وافق الحالة التي فيها تعظيم الرب ووصفه بالعلو ؛ وهي الركوع والسجود ، أذن له بأن يأتي بهذا الذكر ، وإن خرج ذلك مخرج تعظيم النفس.
__________________
(١) في ب : ثبتت.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : الثبات.
(٤) في ب : ثبتت.
(٥) في ب : يرتد.
(٦) سقط في ب.