وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) فالاستغفار : هو طلب المغفرة ، وذلك يكون باللسان مرة ، وبالأفعال ثانيا.
فطلب المغفرة من جهة الفعل : أن ينتهي عن الفعل الذي يستحق عليه العقاب ويجيب إلى ما [دعا الله إليه](١) ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] فجعل انتهاءهم عن الكفر ودخولهم في الإسلام سبب مغفرتهم ، وقال الله تعالى : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠] ، وليس استغفارهم [أن يقولوا باللسان : «اللهم اغفر لنا» ، ولكن معناه : أن انتهوا عما أنتم فيه من الكفر ، وأجيبوا ربكم فيما دعاكم إليه ، فهذا هو الاستغفار](٢) من جهة الأفعال.
وأما الاستغفار باللسان وهو طلب المغفرة ، يكون على وجهين :
أحدهما : أن تسأل ربك التجاوز عن سيئاتك.
والثاني : أن يسأل حتى يوفقه للسبب الذي إذا جاء به استوجب المغفرة (٣) ، وعلى هذا التأويل يخرج استغفار إبراهيم عليهالسلام لأبيه ، وهو أنه طلب من ربه أن يوفقه لما فيه نجاته ، وهو الإسلام ، لا أن يسأل ربه أن يغفر له مع دوامه على الكفر ؛ ألا ترى أنه امتنع عن الاستغفار له حيث تقررت عنده عداوته لله تعالى ، وعلم أنه لم يوفق للسبب الذي يستوجب به المغفرة ؛ قال الله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة : ١١٤] ؛ فثبت أنه لم يطلب منه المغفرة مع دوامه على الكفر ، ولكن للوجه الذي ذكرنا ، والله أعلم.
* * *
__________________
(١) في ب : دعى إليه.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : إذا جاز به المغفرة تستوجب.