وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، وقال في موضع آخر (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب : ٥٧] ، وقال : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب : ٣٦] ، وكل من ارتكب المآثم ، فقد دخل في [حد العصيان](١) وإيذاء الرسول ، ولكن المراد هاهنا من يعتقد عصيان الرسول وأذاه ؛ لأن الله تعالى أضاف الأذى والعصيان إلى نفسه (٢) ، ولا أحد يقصد قصد أذى الله (٣) تعالى ، والله ـ عزوجل ـ لا يؤذى ، ولكن أضاف أذى الرسول وعصيانه إلى نفسه ، وقد كانوا يعتقدون عصيانه وأذاه ؛ فجعل عصيانهم وأذاهم لرسوله أذى منهم لله تعالى وعصيانا له ؛ فثبت أن هذا في الاعتقاد ، وقال ـ عزوجل ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] ، وقال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥] ، فجعل طاعة الرسول طاعة له ، وعصيان رسوله عصيانا له.
ولأنه ذكر العصيان على أثر تبليغ الرسالة ؛ فثبت أن العصيان هاهنا في ترك القبول لما أنزل على الرسول ، وفي اعتقاد العصيان له.
وروي عن أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أنه قال : من آمن بالله تعالى ، ولم يؤمن برسوله ، فهو ليس بمؤمن ؛ لأن جهله بالله تعالى هو الذي حمله على تكذيب الرسول ؛ لأن الرسول ليس يدعوه إلا إلى ما يقربه إلى الله تعالى ، وإلى ما ينجيه من عذابه ؛ فلو كان يحب الله تعالى ، ويؤمن به ، لكان يدعوه ذلك إلى حب الرسول ، وإلى طاعته ؛ فثبت أن المكذب للرسول جاهل بربه ، والمطيع له مطيع لله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) ، وقال في موضع آخر : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) [مريم : ٧٥].
ويحتمل أن يكون هذا في الدنيا والآخرة جميعا ، ويكون ذلك راجعا إلى يوم بدر ، كما ذكره (٤) أهل التأويل ؛ إذ قد ظهر في ذلك اليوم أنهم شر مكانا ، وأضعف جندا ، وأضعف ناصرا.
ويشبه أن يكون هذا في الآخرة ؛ فإنهم (٥) يعلمون أنهم أقل عددا في الآخرة ؛ لأن كل واحد منهم يتبرأ عن صاحبه وناصره ومعينه في الدنيا ، ويصير عدوّا له ؛ فيقل عددهم ،
__________________
(١) في أ : هذه العصبات.
(٢) زاد في ب : وليس.
(٣) في ب : لله.
(٤) في أ : ذكر.
(٥) في ب : لأنهم.