[لكونه](١) مصدرا ، وهو المفعول المطلق.
وجائز أن يكون أضاف القليل إلى قول : الكاهن والساحر ، وتأويله : أن الأمور لو كانت (٢) على ما تزعمون بأنه قول كاهن و [قول](٣) ساحر ، فما بالكم لا تصدقون بالقليل منه ، وقد تعلمون أن الساحر وإن كان الغالب عليه الكذب فيما يأتي ، فقد يصدق في القليل منه ، وكذلك الكاهن ، فما لكم لا تصدقون بالقليل منه ، وأنتم تعلمون أنه صادق ، فإن كان على هذا فهو في موضع إيجاب الحق عليهم أن يصدقوه.
وإن كان على التأويل الأول ، ففيه إضمار أنهم لا يؤمنون إلا بالقليل منه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فالتنزيل في الحقيقة لا يحتمل أن يسمع ؛ لأنه إخبار عن فعله ، وإنما الذي يسمع منه هو المنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أضاف إلى نفسه التنزيل ؛ ليعلم أن هذه الأخبار ، وهي قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) وقوله ـ عزوجل ـ : (تَنْزِيلٌ) خرجت (٤) على المجاز ، ليس على التحقيق ؛ لأن التنزيل هو إنزاله ، فسمي : تنزيلا ؛ لأنه هو الذي كلفه الإنزال ، لا أن يكون هو الذي تولى الإنزال ، وإن كان هو خالقه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) ، فهذا عطف على ما تقدم من قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) ، وعليه وقوع القسم ، وهو موضعه ؛ فكأنه يقول : إن الذي تلقاه من عند رسول كريم ، وما هو بقول تلقاه من كاهن أو ساحر ، ولا بقول تقوله علينا ، ولو تقول ، لأخذنا منه باليمين.
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن الذي يسمعون منه رسول كريم ، وليس بشاعر ، ولا كاهن ، ولا متقول ؛ لأنهم كانوا مرة ينسبونه إلى الكهانة ، ومرة إلى السحر ، ومرة أنه تقوله على الله ، ولو تقول (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) يبين أن عذاب الله بأخص عباده أسرع وقوعا إذا هم خالفوا ، وزلوا ـ منه بأعدائه ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) فبين أنّه لو وجد منه شيء مما قالوا فيه ، لأخذه على المكان ؛ ألا ترى إلى آدم ـ عليهالسلام ـ وما حل به عند ما ابتلي بالزلة والخلاف ، وكذلك يونس ـ عليهالسلام ـ وما عوتب على أثر الزلة ؛ وهذا لأن عذاب الأولياء يخرج مخرج التنبيه ، والتذكير ، والاستدعاء إلى ما كانوا عليه من الطاعة ، والانقياد قبل ارتكابهم الزلة ، ولا كذلك عذاب الأعداء ، فأخر عذابهم إلى اليوم الذي يدوم عليهم فيه العذاب.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : كان.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : خرج.