تعالى ، ورجاء الثواب في الآخرة ، والكافر غير مؤمن بالجزاء ؛ ليحمله ذلك على الإطعام ، وليس هو بكسب يرغب فيه من مكاسب الدنيا ؛ فكأنه يقول : إن الذي أفضى به إلى النار تركه الإيمان بالله ـ تعالى ـ أو بالبعث.
ويجوز أن يكون قوله : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) إثبات السخرية من الذي ترك الحض على أهله بالإطعام ؛ كقوله : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [يس : ٤٧] يقول : كيف أطعمه ومن بيده خزائن السموات والأرض لا يطعمه؟! فلو كان أهلا للإطعام لكان الأولى من يطعمه هو الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي : قريب يرجو منه ، وهو كقوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] فليس له قريب يرجوه ، أو ينفعه ذلك الحميم ، وقد كان له في الدنيا حميم ينتفع به ويرجو منه.
وقوله : (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) ، وقال في موضع آخر : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) [الغاشية : ٦] ، وقال في موضع آخر : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) [الواقعة : ٥١ ـ ٥٣] والزقوم غير الضريع ؛ فهذا ـ والله أعلم ـ يدل أن في جهنم دركات ، فأهل دركة منها لا يجدون غير الغسلين ، وأهل دركة منها [يجدون غير ذلك ، وأهل دركة منها](١) طعامهم الزقوم ، ليس لهم غيره ، وإلا لو لم يحمل الأمر على هذا ، أوجب ما ذكرناه [اختلافا ، فيخرج أن يكون من عند الله بقوله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]](٢).
ثم يجوز أن يكون قدر لأهل كل دركة ما توجبه الحكمة أن يكون ذلك طعامهم ؛ فعلى ما كانوا يفتخرون في هذه الدنيا بالأطعمة على من دونهم ، ويهينون من لم يكن عنده ذلك الطعام ، جعل الله ـ تعالى ـ لهم من ذلك الوجه طعاما في الجحيم يهانون به.
وقال الحسن : إن القرآن كله كسورة واحدة ، والسورة كأنها آية واحدة ، فكأنه جمع بين هذه الأشياء كلها في آية واحدة فقال : (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) ، (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) [الغاشية : ٦] ، و (مِنْ زَقُّومٍ) [الواقعة : ٥٢] ، وإذا حمل على ما ذكر ارتفع توهم التناقض ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) فجائز أن يكون هذا اسما لشيء من الأشياء التي يعذب بها أهل النار ، لم يطلع الله ـ تعالى ـ الخلق على علم (٣) ذلك ومعرفته في الدنيا ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : اختلافا كثيرا.
(٣) في ب : مثل.