[الإسراء : ٩] ، وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) [النجم : ٣٩ ، ٤٠] ، وإنما أراد العمل ، وكذلك روي عن عمر (١) وابن مسعود (٢) وأبي وابن الزبير (٣) ـ رضي الله عنهم ـ أنهم قرءوا : فامضوا إلى ذكر حتى قال عبد الله : «لو كانت القراءة (فَاسْعَوْا) لسعيت ، ولو سقط ردائي لم ألتفت إليه» (٤) ؛ خوفا من تضييع حقها ؛ فذلك يدل على أن تأويل الأول عندهم على الإقبال والمبادرة إليها دون السرعة والمشي ، ولأن هذا موافق لسائر الصلوات في أن العدو غير مستحب ، والله أعلم.
والحديث الوارد في السكينة الوقار مطلق ليس فيه فصل بين الجمعة وغيرها ، وعليه إجماع الفقهاء أنه يمشي إلى الجمعة على هينته ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذَرُوا الْبَيْعَ) قال بعض الناس بأنه إذا باع في وقت الجمعة ، لم يجز بيعه ؛ لهذه الآية.
وعندنا أن البيع جائز ، لكنه مكروه.
والذي يدل على جوازه أن النهي عن البيع في هذه الآية ليس لمكان البيع ، ولكن لمكان الجمعة ، فالفساد إذا ورد فإنما يرد في الجمعة لا في البيع ؛ لأنه إذا باع في الصلاة فالبيع يفسد الصلاة ؛ لأن الصلاة تفسد البيع ، ولأن الأصل عندنا أن كل عقد نهي لأجل غيره ، فالنقصان إذا ورد من النهي فإنما يرد في ذلك الغير لا في العقد ، وعلى هذا ما روي عنه ـ عليهالسلام ـ أنه قال : «المحرم لا ينكح ولا ينكح» (٥) إذ النهي عن النكاح إنما هو لمكان الإحرام ليس لمكان النكاح ؛ ولذلك نقول بجواز نكاح المحرم وبفساد الحج إذا جامع بذلك النكاح ؛ لأن النهي إذا لم يكن لنفس العقد لم يستقم فساد العقد والنهي ليس من أجله ، والله أعلم.
ثم لما قال : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) لم يقل : إلى الجمعة ، ولا : لها ؛ دل أنه قبل الجمعة
__________________
(١) أخرجه الشافعي في الأم وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير (٣٤١٠٣) ـ (٣٤١٠٨) وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٢٨) وذكر له طرقا أخرى فانظرها.
(٢) انظر ما يأتي.
(٣) أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٢٨).
(٤) أخرجه عبد الرزاق والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير (٣٤١٠٩) و (٣٤١١٠) وابن المنذر ، وابن الأنباري والطبراني من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٢٨) وذكر له طرقا أخرى فانظرها.
(٥) أخرجه مسلم (٢ / ١٠٣٠) كتاب تحريم نكاح المحرم (٤١ / ١٤٠٩) وأبو داود (١ / ٥٧٠) كتاب المناسك ، باب : المحرم يتزوج (١٨٤١) و (١٨٤٢) والترمذي (٢ / ١٨٩) أبواب الحج ، باب : ما جاء في كراهية تزويج المحرم (٨٤٠) ، وابن ماجه (٣ / ٣٨٩) كتاب النكاح (١٩٦٦) من حديث عثمان بن عفان.