الأحكام الشرعية التكليفية ، سواء كانت الزامية من الوجوب والحرمة ، أم كانت غير الزامية من الندب والكراهة ، مباين لحكم الآخر عقلا وعرفا كالجزئيات الخارجية من زيد وعمرو وغيرهما ، فاذا ارتفع الوجوب بالنسخ كان الجواز امرا حادثا ، فلا يبقى موضوع كي يستصحب بقاؤه عند الشك ، فلا مجال للاستصحاب لاشتراط بقاء الموضوع فيه.
نعم يكون الوجوب والاستحباب متحدين من حيث الطلب في نظر العقل ، وان كان بينهما التفاوت في نظره بالشدة والضعف ، حيث يرى العقل أنّ الوجوب هو الطلب الشديد ، والاستحباب هو الطلب الضعيف.
وعليه : فاذا ارتفع الوجوب بالنسخ استصحبنا الاستحباب ، أي بقاءه ، إذ هما متحدان من حيث الطلب ، وقبل النسخ كان كلاهما موجود في نظر العقل ، وبعد النسخ ارتفع الوجوب قطعا ، ونشك في بقاء الاستحباب وارتفاعه ، فنستصحب بقاءه.
قلنا ان الملاك في باب الاستصحاب نظر العرف ، لا نظر العقل ، فالوجوب والاستحباب في نظر العرف متباينان ومتضادان ، فلا مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل احدهما بالآخر لتباينهما في نظر العرف ، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى القواعد المقررة كما ستأتي في بحث الاستصحاب ، إن شاء الله تعالى.