كما لا يخفى ، فلا معاندة بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إلى مرتبة الفعلية والاجراء ، وذلك لانتفاء الارادة في هذه المرتبة هذا أولا.
وثانيا : ان الأحكام الانشائية انما تجعل على طبق مقتضياتها من المصالح والمفاسد وان كانت مقرونة بالمانع ، فاذا كانت في الشيء مصلحة تقتضي وجوبه ومفسدة تقتضي حرمته ، ينشأ له وجوب وحرمة معا وان كان حكمه الفعلي احدهما. فان قيل لم لم يتعرض المصنف إلى مرتبة الاقتضاء ، مع انه لا معاندة بينهما في هذه المرتبة ايضا للوجه الذي ذكر آنفا؟
قلنا : ان اطلاق الأحكام انما يكون بالمسامحة ، أي إذا قيل ان مرتبة الاولى هي الأحكام الاقتضائية فهذا الاطلاق يكون بالمسامحة ، إذ ليس الأحكام موجودة بل الموجود في اللوح المحفوظ هو المصالح والمفاسد ، لا الأحكام في مرتبة الاقتضاء كي يقال انه لا معاندة بين وجودات الأحكام الاقتضائية. كما ان اطلاق المعاندة على الوجوب والحرمة يكون بالعرض والمسامحة ، إذ في الحقيقة تكون المعاندة بين مصلحة الوجوب وبين مفسدة الحرمة. فمورد التنافي والمعاندة اولا وبالذات هو ملاكات الأحكام لا نفس الأحكام ، فاسناد التنافي إلى الملاكات يكون بالحقيقة وبالذات ، وإلى الأحكام بالعرض والمجاز ، نظير اسناد الحركة إلى السفينة وإلى جالسها. فاذا علم ذلك فقد ظهر ان استحالة اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ليست من قبيل التكليف بالمحال وبغير المقدور ، بل لان هذا الاجتماع محال بنفسه ومن باب التكليف والمحال ، لأن الأمر يقتضي المصلحة في المأمور به والنهي يقتضي المفسدة في المنهي عنه ، والمصلحة والمفسدة متضادتان ، والحال ان التكليف المحال لا يجوز بالاتفاق ، وان قال الاشاعرة بجواز التكليف بالمحال وبغير المقدور.