والثاني : ان يقصد المكلف التقرب بالعمل إلى ساحة المولى.
والثالث : ان لا يكون صدور العمل منه قبيحا ومبغوضا.
فالأول والثاني ، وان كانا غير موجودين هنا ، لأن هذه الصلاة كسائر الصلوات ذات ملاك فلا فرق بينهما في صورة الجهل بالحرمة ، والحال انه قد قصد التقرب به ، ولو كان عن تقصير. ولكن الثالث ليس بموجود في هذا الفرض ، وذلك لأن العمل وان كان في نفسه قابلا للتقرب من ناحية اشتماله على الملاك إلا انه حيث كان هذا العمل والفعل مبغوضين للمولى ، في حين ان جهله كان عن تقصير فلا يكون صدوره منه حسنا بل يكون قبيحا ومبغوضا ، فاذن لا يمكن الحكم بصحة العبادة الفاقدة للشرط الثالث ، فالمكلف ، وان كان متمكنا مع عدم الالتفات إلى الحرمة من قصد القربة ، مع انه قصدها لكونه جاهلا بالحرمة ، إلا انه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرب بهذا الفعل إلى المولى الحكيم لأن الجاهل المقصر كالعالم العامد فهو غير معذور كما في النصوص.
فلا يقع هذا الفعل بعنوان كونه مقرّبا ، والعمل العبادي بدون قصد التقرب لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر بهذا الفعل في حال كونه عبادة وعباديا ، كما لا يخفى ، وأما إذا لم يلتفت إلى الحرمة قصورا مع انه قد قصد القربة باتيان العمل لجهله بها ، فالأمر يسقط ويحصل الغرض من قصد التقرب بالعمل الذي يكون صالحا ، لأن يتقرب به إلى المولى ، لاشتماله على المصلحة مع صدوره عنه حسنا ، لجهله بالحرمة عن قصور ، فيحصل به الغرض من الأمر ، فيسقط به قطعا ، وان لم يكن امتثالا للأمر فقصد التقرب أوجب كون الفعل طاعة ، والجهل عن قصور أوجب كونه غير معصية لأنه معذور بسبب جهله هذا ، فهو طاعة محضة ، فيكون حسنا لا غير.
فان قيل : لا معنى للتفكيك بين سقوط الأمر وبين عدم حصول امتثال الأمر بل إذا سقط الأمر وحصل الغرض فقد حصل الامتثال ، فلا معنى لقوله : (وان لم يكن امتثالا له).