أمر وإليه يفزع في كل نائبة وحادثة.
وقال بعضهم : (ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، أي : ذا الإحسان والعمل الصالح (أَوَّابٌ) ، أي : تواب.
وقتادة يقول :
ذا القوة في العبادة ، وذا الفقه في الإسلام ، وذا البصر في الدين .
وقال أبو عوسجة
: (قِطَّنا) ، أي : كتابنا ، يقال : قططت ـ أي : كتبت ـ أقط قطا ،
فأنا قاط ، والكتاب مقطوط ، والقط ـ أيضا ـ : القطع ، يقال : قططت أظفارى ، والقط
: الدهر ، ويقال : قطي ، أي : حسبي ، وقطك أي : [حسبك].
قال القتبي :
القط : الصحيفة المكتوبة ، وهي الصك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا سَخَّرْنَا
الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ).
هو على التقديم
والتأخير كأنه قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّا سَخَّرْنَا
الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) ، أخبر أنه سخر الجبال والطير وما ذكر لداود كي يطعنه
ويسبحن معه ، وفيه لطف من الله ـ عزوجل ـ : في هذه الأشياء والخصوصية لداود في ذلك ؛ حيث صير
الجبال والطير بحيث يقفن وقت تسبيح داود معه على ما أخبر عزوجل.
وفيه أن الله ـ
عزوجل ـ حيث صير الجبال مع شدتها وصلابتها بحيث تعرف وقت
تسبيح داود ، وتعرف تسبيحه وتسمعه وتلين له ، فجائز أن يجعل قلب الكافر بحيث يلين
ويخضع لله بلطفه ؛ إذ قلبه ليس أشد قسوة وصلابة من الجبال ، فإذا جعل لطفه فيها
لانت وخضعت ؛ فعلى ذلك إذا جعل ذلك اللطف في قلب الكافر لا يحتمل ألا بلين ولا
يخضع ؛ إذ هو ليس بأصلب وأشد من الجبال التي ذكرنا ، والله أعلم.
وأما الخصوصية
له : فإن الله ـ عزوجل ـ جعل بكل من الرسل خصوصية في شيء ، لم يجعل مثل تلك
الخصوصية لآخر في ذلك الشيء بعينه بلطفه ، وخصوصية داود : ما ذكر من تسخير ما ذكر
له من الجبال والطير والتسبيح معه ، وما ذكر من إلانة الحديد له وغير ذلك من
الأشياء ، وخصوصية سليمان ما ذكر من تسخير الرياح له وحملها إياه حيث شاء إلى ما
شاء مسيرة شهر بغدوة ومسيرة شهر بعشية ، حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَلِسُلَيْمانَ
الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) [سبأ : ١٢] ، وما ذكر من فهم نطق الطير والنطق معه وفهمه تسبيحها ونحو ذلك
كثير ، ومثل هذا ما قد جعل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث ذكر أنه أخذ أحجارا فسبحن في يده حتى سمع ذلك من
حضره ، وما ذكر أن أصابعه يسبحن ونحوه كثير ، فلكل منهم خصوصية في شيء ليست تلك
لغيره ، والله أعلم.
__________________