أحدها : أن اذكر نبأ داود ، ونبأ من ذكر في هذه السورة من قوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ، ومن ذكرهم ـ عليهمالسلام ـ وعلى محمد في هذه السورة ، أي : اذكر نبأهم الذي لم يكن لتعرفه أنت ولا قومك من قبل هذا ، لعلهم يصدقونك ويؤمنون بك ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود : ٤٩].
والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) ، أي : اذكر صبر هؤلاء على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم ؛ لتصبر على أذى قومك وتكذيبهم إياك كما صبر أولئك ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥].
والثالث : اذكر داود ومن ذكر من الأنبياء ، أي : اذكر لهم المصدقين وما يكون لهم من الكرامات والثواب ، كما ذكرت لهم المكذبين وما نزل بهم من العذاب ، لعلهم يرجعون ويصدقونك ؛ ليعلموا من هلك منهم بم هلك؟ أو ليعلموا أن في أوائلهم المصدقين له والمؤمنين ، فكيف اتبعتم المكذبين منهم دون المصدقين؟! والله أعلم.
ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا) ، أي : اذكر جهد داود وجهد من ذكر من هؤلاء في العبادة والدين وأمثال ذلك يحتمل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
قال عامة أهل التأويل (١) : (ذَا الْأَيْدِ) ، أي : القوة على العبادة.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (ذَا الْأَيْدِ) في أمر الله ، [أو] في أمر الدين ؛ لأنه ألين له الحديد حتى كان يتخذ منه الدروع وغيرها من الأسلحة ، وسخر له الطير والجبال حتى كان يسبح معهم بالعشي والإشراق ، وحتى كان يستعمل ما اتخذ الحديد فيمن شاء من أمر الدين من المحاربة مع الأعداء والدرء عن أهل الإسلام والدفع عنهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ أَوَّابٌ).
قال بعضهم (٢) : (أَوَّابٌ) مطيع لله ، مقبل على طاعته.
وقال بعضهم (٣) : (أَوَّابٌ) ، أي : مسبح لله ، ذكر أنه كان كثير التسبيح ؛ وكذلك قال ـ عزوجل ـ : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] ، أي : سبحي معه ، هذا محتمل.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (أَوَّابٌ) ، أي : رجّاع إلى الله ، يرجع إليه في كل
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٩٧٩١) ، وهو قول مجاهد وقتادة.
(٢) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير (٢٩٧٩٨) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٥٦٠).
(٣) قاله ابن عباس ومجاهد وعمرو بن شرحبيل كما في الدر المنثور (٥ / ٥٦٠).