والثاني : يحتمل أن يذكر هذا له امتنانا عليه ليتأدى به شكره ؛ لأنه ذكر أنه أوحى إلى موسى ، وذكر محمدا وأمته في شرفه حتى تمنى موسى أن يجعل من أمته.
يقول ـ والله أعلم ـ : لم تكن أنت شاهدا في هذه المشاهد فذكرتك ثمة وأمتك.
أو أن يذكر هذا له على الاختصاص له ؛ ليعرف أن أمر الرسل والوحي إليهم على الاختصاص لهم من الله ، لا بأمر كان منهم.
على هذه الوجوه الثلاثة يحتمل أن يخرج تأويل ما ذكر له.
وقال بعض أهل التأويل في قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) يقول لمحمد : لم تعاين هذا ولم تشهده ، وإنما هو شيء أنزلناه عليك لتتلوه على أهل مكة.
وقوله : (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) هذا ليس بصلة الأول ، ولكن على الابتداء ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : لكنا أنشأنا قرونا بعد انقراض الرسل ، ودروس أعلامهم وآثارهم ، وتطاول العهد والعمر ، ثم بعثناك فيهم رسولا ؛ لتحيي به آثارهم ، وتظهر فيهم سننهم وأعلامهم ورحمة منا إليهم ، وهو ما قال في آخره : (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي : أرسلنا إياك رحمة منا لهم ، وهو ما قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] أو أن يكون قوله : (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي : ما أنبأك وأعلمك من أنباء موسى وأخباره ، حيث لم تشهدها من رحمة ربك ، حيث جعلها آية لنبوتك ، وحجة لرسالتك ، والله أعلم.
وقوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : لتنذر قوما ما أنذر به الرسل الذين من قبلك قومهم.
والثاني : لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ، أي : على رجاء التذكر تنذرهم.
أو أن يكون ذلك خاصة لمن تذكر إذا كان على الإيجاب.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥٠)
وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) لا ينتظم الجواب ، وليس ما ذكر