خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، أي : لم يخلق ، يخبر عن سفههم وقلة معرفتهم ، وسرفهم في القول والفعل ، والله أعلم.
وقوله : (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
يحتمل (الظَّالِمُونَ) وجوها :
أحدها : ظلموا أنفسهم ؛ حيث وضعوها في غير موضعها الذي أمرهم الله أن يضعوها ، وهو وضعهم إياها في عبادة الأصنام.
أو ظالمو حدود الله التي حدّها لهم ، لم يحفظوها على تلك الحدود ؛ بل جاوزوها.
أو سماهم : ظلمة ؛ لما ظلموا نعم الله ، ولم يشكروها ، والله أعلم.
وقوله : (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي : في حيرة بينة ، أو هلاك بين.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(١٩)
وقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ).
قال بعضهم (١) : الحكمة هي الإصابة في القول والفعل من غير نبوة.
وقال بعضهم : أعطي الفهم واللب ، وقيل : الفهم والفقه في الدين ، وقيل : العلم ؛ كأنه يقول : أعطيناه العلم والفهم بالكتب المتقدمة.
والفقه : هو معرفة الشيء بنظيره الدال على غيره ، أو معرفة ما غاب بما شهد ، أو معرفة الخفي الباطن بالظاهر ، ونحوه.
والفلاسفة يقولون : الحكمة هي المعرفة مع العمل ، والحكيم : هو الذي له المعرفة
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٨٠٧٨) و (٢٨٠٨٠) و (٢٨٠٨١) ، والفريابي وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣١١) ، وهو قول قتادة.