ثم قال لوط : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) أي : من المبغضين ، أي : كيف توعدونني بالإخراج ، وإني لعملكم الذي تعملون من المبغضين ؛ أكره المقام فيكم ، وأبغض رؤية أعمالكم التي تعملون ، فكيف توعدونني بالإخراج؟!.
ثم دعا فقال : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) : هذا يحتمل وجوها.
أحدها : رب نجني وأهلي من عذاب ما يعملون وجزائه.
أو أن يكون : رب نجني وأهلي من عمل ما يعملون من الخبائث ؛ كقول إبراهيم : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ).
أو أن يقول : رب نجني وأهلي عن رؤية ما يعملون ومعاقبته.
ثم قال : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) : قد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) : يحتمل أن يكون أمطر عليهم الحجارة بعد ما قلبهم ظهرا لبطن وبطنا لظهر ؛ كقوله : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً) [هود : ٨٢]. وجائز أن يكون جعل عاليها سافلها بما أمطر عليهم من الحجارة.
وجائز أن يكون جعل القريات ومن فيها عاليها سافلها ، وأمطر على من كان غائبا منهم الحجارة.
قال أبو عوسجة والقتبي (١) : (مِنَ الْقالِينَ) أي : من المبغضين ، يقال : قليت الرجل إذا أبغضته ، ومن ذلك قوله : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] ، والغابر : الباقي.
قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٩١)
وقوله : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) : الأيكة : قال بعضهم : هي شجرة نسبوا إليها.
وقال بعضهم : الأيكة : الغيضة.
(إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) : قال بعض أهل التأويل : وإنما لم يقل هاهنا في شعيب أخوهم ؛ لأن شعيبا لم يكن من نسلهم ـ أعني : من نسل أصحاب الأيكة ـ لذلك لم
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٢٠).