وقال بعضهم : لا ، ولكن ذلك إخبار عن سرعة نفاذ الأمر ، وعبارة عن خفة ذلك وهونه ؛ كقوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧] وقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ليس أن كان منه (كاف) أو (نون) ، لكنه ذكر بأخف حروف يفهم منه المعنى فعلى ذلك ذكر الصيحة والنفخة والدعوة والصور ، والله أعلم.
وفي قوله : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) دلالة وإخبار أنه قادر على الإنشاء والإحياء بلا سبب ؛ لأنه أخبر أنه دعاكم دعوة ثم تخرجون ، والدعوة ليست هي سببا للإحياء والإنشاء بل أخبر أنه يخرجهم إخراجا ثبت أنه ما ذكرنا ، وقد ذكرنا في اختلاف الألسن لو لم يكن ما يسمع منهم وما ينطقون يخلق في الحقيقة فإذن آياته عبث ؛ لأن الحروف شهد خلقه ، ولا جسمه ، ولا سمعه ، وبما احتج ، فيكون بمعنى من يقول : لله آيات في الكلام احتج بها على عبادة الذين لم يطلعهم عليه ، فيكون بمعنى من يقول : لله آيات في الكلام احتج بها على عبادة الذين لم يطلعهم عليه ، ولا سبيل لهم إلى التطلع عليها ، وذلك بعيد من العقول ، فثبت أن الله قد خلق كل نطق على ما عليه يعرفه المتفكر بما يرى من عجز المتفوه به على التفوه به على التقطيع الذي يقدره في نفسه ، وعلى الحدّ الذي يجب أن يكون عليه دون أن يقع في ذلك تفاوت واختلاف فيعلم أن ذلك كان الآية على ما كان عليه ؛ بل بالله جل وعلا ، ولا قوة إلا بالله.
وما ذكر من اختلاف فإنا نجده يتغير بالعباد ؛ نحو ما يظهر عند شدّة السّرور بالشيء غير الذي يظهر عند شدة الغضب متولدا عن فعلهم وبه قول المعتزلة أو عامتهم أن المتولد هو فعل الخلق ، فعلى ذلك القول يكون اللون فعلا لهم بتخليق الله ، وأمّا النوم في اللون فوضع ، فالاعتبار إنما هو بابتغائهم من فضله ؛ أي : ذلك بما ركب فيهم من الحاجة وأنشأ لهم من الفاقة فيما ذكر من الأغذية بأن ابتغاءها فعلا للخلق ، وقد احتج الله ـ سبحانه وتعالى ـ على العباد ، فأخبر أنه من آياته ، ومحال أن يكون حجته ما يخلق غيره دون الذي يخلقه بل يدل خلق كل على منشئه من طريق الخلقة والتدبير ، فثبت أن الابتغاء مخلوق يخلقه ، والله الموفق.
قوله تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ