مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(١٤٨)
وقوله : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
هذا ينقض على الباطنية قولهم حين قالوا : إن الرسل ليس إلا ستة لا يعدون يونس ولوطا ـ عليهمالسلام ـ منهم فيخالفون ظاهر الآية ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، وهم يقولون : ليس من المرسلين ، وبالله العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ).
ذكر هاهنا الإباق ، وفي سورة الأنبياء الذهاب ، وهو قوله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [الأنبياء : ٨٧]. فمن الناس من يجعل هذا غير الأول ـ يعني : إباقه الذي ذكر وذهابه ـ لكن جائز أن يكون ذكر الإباق وذكر الذهاب وإن كان في رأى العين في ظاهر اللفظ مختلفا فهما في المعنى واحد ، فيكون قوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَبَقَ) من قومه بدينه ؛ ليسلم له ، أو أبق لخوف على نفسه من قومه ، أو أبق على ما أوعد قومه من نزول العذاب بهم إذا لم يؤمنوا به ، وكان الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ يخرجون من بين أظهر قومهم إذا خافوا نزول العذاب بهم ، إلا أن يونس خرج من بينهم قبل أن يأتيه الإذن من الله ـ عزوجل ـ بالخروج من بينهم ؛ لذلك جاء العتاب له والتعيير ، لا لما يقوله عامة أهل التأويل من الخرافات التي يذكرونها وينسبون إليه ما لا يجوز نسبة ذلك إلى أجهل الناس بربه وأخسهم ، فضلا أن يجوز نسبة ذلك إلى نبي من أنبيائه ورسول من رسله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ).
ذكر في القصة أنه ـ عليهالسلام ـ لما أبق إلى سفينة فركبها أراد أن يعبر البحر ، فجعلت تكفو وتقف وكادت أن تغرق ، فقال القوم بعضهم لبعض : إن فيكم لرجلا مذنبا [ذنبا] عظيما ، وكانوا يعرفون ذلك من عادتها من قبل كانت إذا ركبها مذنب تغرق وتتسرب في الماء ، فلم يعرفوا من هو ذلك؟ فاستهموا مرارا فساهم يونس في كل مرة ، فلما رأى ذلك يونس ـ عليهالسلام ـ قال لهم : يا قوم ألقوني في البحر حتى لا تغرقوا جميعا ، فأبوا وقالوا : لا نلقي نبيّا من أنبياء الله في البحر ، فألقى هو نفسه فيه ، فالتقمه الحوت على ما أخبر الله ـ عزوجل ـ حيث قال : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ).
ثم قوله : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قال : فكان من المغلوبين في القرعة والاستهام ، أي : خرجت القرعة عليه ، و (الْمُدْحَضِينَ) : هو الذي لا حجة له فيما يريد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ).
قال بعضهم : (وَهُوَ مُلِيمٌ) أي : عجيب.