وقال بعضهم : مليم من الملامة ، أي : كان يلوم نفسه فيما صنع من الخروج من بينهم بلا إذن من الله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
يحتمل قوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) لربه قبل ذلك ومن المصلين له ، وإلا للبث في بطنه إلى ما ذكر ؛ ولذلك قيل : من عمل لله ـ تعالى ـ في حال الرخاء ، نفعه الله بذلك في حال الشدة ويرفعه إذا عثر ، والله أعلم.
قيل في الحكمة : إن العمل الصالح رفع صاحبه إذا عثر وإذا صرع وجد متكئا ، والله أعلم.
ويحتمل (كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) ، أي : صار من المسبحين في بطن الحوت ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) [الأنبياء : ٨٧ ، ٨٨] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ).
العراء : قيل (١) : هي الأرض الصحراء التي لا شجر فيها ولا نبت ولا ركز.
وقال أبو عوسجة : العراء : الأرض التي لا ظل فيها ، والمدحض : المغلوب ، ومليم : أي : أتى أمرا يلام عليه.
وقال القتبي : العراء : هي الأرض التي لا يواري فيها شجر ولا غيره ، كأنه من عري الشيء ، والله أعلم. البعل : الزوج.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ سَقِيمٌ).
ذكر أن الحوت لما نبذه بالعراء لم يكن به شعر ولا جلد ولا ظفر ولا سن سقيم من السقم وهو المرض ، أي : مريض لما مسه بطن الحوت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ).
قال بعضهم (٢) : هي شجرة القرع ، أنبت عليه ليأكل منها ، ويستظل بها.
وقال بعضهم (٣) : كل شجرة تنبسط على وجه الأرض مما يتسع أطرافه إذا مد [و] أصله واحد ، فهو يقطين ، من نحو البطيخ والعرجون وغيرهما.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٦١٢) وهو قول السدي أيضا كما في تفسير البغوي (٤ / ٤٣).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩٦٢١) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٤٦) ، وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم ، وهو قول ابن مسعود وقتادة ومجاهد.
(٣) قاله سعيد بن جبير أخرجه ابن جرير (٢٩٦١٧ ، ٢٩٦١٨) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٤٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.