فعند ذلك سأل ربّه النظرة [إلى يوم القيامة](١) ؛ ليغوين عباده ، وعلم اللعين : أن طاعة خلقه له لا تزيد في ملكه شيئا ، وعصيانهم لا ينقص في ملكه شيئا. لذلك قال : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) ، (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) ، (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) ، وما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ).
مع إحساني إليهم وإنعامي عليهم.
(فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ).
هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : على التمكين له ذلك والإقدار على ما ذكر ، أي : مكن له ذلك ، وأقدر عليه ؛ لخذلانه إياه لما عصى ربّه وترك أمره ؛ لما رأى أمره بالسجود لآدم جورا منه ، حيث قال له : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر : ٣٥]. مكن له ذلك ، لتتم (٢) له اللعنة والخذلان.
والثاني : قال ذلك له على التوعد والتهدد ؛ ألا ترى أنه ذكر هذا على أثر وعيد ، وهو قوله : (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) ، فيخرج (٣) على إثر ذلك مخرج الوعيد له ولمن تبعه وأجابه ، كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت : ٤٠] لهذا وإن كان ظاهره أمرا فهو وعيد ؛ فعلى هذا قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) فإن لك ولمن تبعك كذا.
أو لما ذكرنا من التمكين له ذلك والإقدار على ذلك ليتم له اللعنة والخذلان.
والثاني : قال ذلك الذي لعنه ، وإلا لا يجوز أن يكون الله يأمره بما ذكر أن يخرج الأمر بما ذكر مخرج سفه والأمر بالفحشاء ، وقد أخبر أنه : لا يأمر بالفحشاء والمنكر ، وإنما يأمر بالعدل ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨] ، وقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل : ٩٠] ؛ فلو حمل هذا على الأمر لكان أمرا بالفحشاء والمنكر فدلّ أنه يخرج على أحد الوجهين اللذين ذكرناهما ، أو على الاستبعاد والإياس عن أن يملك أو يقدر عليهم بما ذكر إلا من اختار منهم اتباعه ، وهو ما ذكر : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ...) الآية [الإسراء : ٦٥] ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ليتم.
(٣) زاد في ب : واستفزز.