موسى سأل ربه أن يعينه بأخيه ، ويقويه به فيما حمله ، وأن يشركه فيما قلّده من الرسالة والقيام بها ، فأجابه الله لذلك ، حيث قال : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [القصص : ٣٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً) يحتمل : كي نسبّحك كثيرا بالجماعة ؛ لأن الصلاة بالجماعة تتضاعف على الصلاة وحده ، وأن يعين بعضنا على التسبيح لك والذكر ، ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) ، أي : إنك بضعفنا وعجزنا فيما حملتنا وقلدتنا بصيرا ، عالما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ، أي : أعطيت ما سألته ، وكان سأله أشياء فأوفي ، فقوله : [(سُؤْلَكَ) ، وسؤالك](١) ومسألتك لغات ثلاثة ، كلها واحد.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)(٤١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى. إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ...) الآية يشبه أن يكون المنة حين أنجاه فيما ابتلى بالرّد واشتباه الطريق ، حتى قال : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [القصص : ٢٩] فتلك المنة الأخرى.
أو أن يكون المنة التي ذكر هي ما أنجاه الله حيث [قتل] ذلك القبطى فاشتد له ذلك الخوف حتى بلغ الإياس ، فتلك المنة التي ذكر ، أو ما ذكر من الوحي إلى أمه (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ).
وقال بعضهم : (مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) مع النبوة مرة أخرى ، ثم بيّن النعمة ، ثم قال : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) إلى آخر ما ذكر ، وإلى هذا ذهب أهل التأويل ، وإلا قد كان منه إليه من المنن ما لا يحصى ، والله أعلم.
ثم الكلام فيما ألهم أمّه في روعها أن تقذفه في البحر أنه يسع لهذا أن يفعل ذلك ، ويحل أو لا؟ إذ قد يجوز أن يكون من الشيطان مثل هذا ، نحو ما قال : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ...) الآية [الأنفال : ٤٨] ، فلم يعرفوا وقت ما كلمهم بهذا : هو شيطان أو غيره؟ فعلى ذلك يجوز أن يلقى الشيطان إليها ؛ فكيف وسع لها أن تعمل ما علمت من الأخطار؟ لكن يجوز أن يكون في ذلك الإلهام وما ألقى إليها ـ آية ومعنى ،
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في أ : وسؤلك.