ثم يحتمل قوله : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) على التمثيل ، ليس على حقيقة السجود ، ولكن على الانقياد لما سمعوا ، والخضوع له ، والذلة ؛ على ما ذكرنا من التمثيل في قوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤] ليس على حقيقة الانقلاب على الأعقاب ، ولكن على التمثيل للرجوع وترك العمل ، فعلى ذلك الأول ، وكقوله : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) [البقرة : ١٠١] على ترك العمل به.
ويحتمل : أن يكون السجود كناية عن الصلاة ، أي : يصلون لله.
ويحتمل أن يكون على حقيقة السجود ، خروا لله سجدا إذا تتلى عليهم آيات الله وحججه ، وهو كسجود سحرة فرعون حين عاينوا آيات الله ، وحججه ، وهو كقوله : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) [الأعراف : ١٢٠] ، فعلى ذلك يحتمل سجود هؤلاء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) عما قالت الملاحدة فيه.
(إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) أي : قد كان موعود ربنا لمفعولا وكذلك قوله : (أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب : ٣٧] ، (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب : ٣٨] أي : كان ما يأمر الله كائنا ومفعولا أي : قد كان ما يأمر ووعده مفعولا وهو ما ذكرنا «كان وعد الله مفعولا».
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ).
فإن كان التأويل من السجود : الصلاة ، ففيه دليل لقول أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ : إن المصلي إذا بكى في صلاته ؛ خوفا على نفسه ، وإشفاقا أو سرورا على ما أنعم الله عليه وأكرمه به ، لم تفسد صلاته ، وإذا كان البكاء للتسلي مما حل به من الشدائد والبلايا تفسد صلاته ، وأصله : أن البكاء إذا كان لله فهو لا يفسد الصلاة ، وإذا كان للدنيا أو لحاجة نفسه فهو يفسد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً).
أي : يزيد ما يتلى عليهم من القرآن خشوعا وخضوعا لهم أو للآيات.
وقال الحسن : الخشوع : هو الخوف الدائم [في القلب](١).
قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)(١١١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).
__________________
(١) سقط في أ.