ومنهم من يقول : امتحنهم بهما جميعا بالحياة ؛ ليتزودوا فيها لما بعد الموت ؛ كما يتزود في حال السعة والرخاء لحال الضيق والشدة فمن لم يتزود في حال السعة فلا زاد له في حال الضيق ؛ فعلى ذلك من لم يتزود في الحياة فلا زاد له بعد الموت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) :
أي : نبتليهم ونختبرهم أيضا بذهاب النبات والأنزال وتأويله : أن يبتليهم بالرخاء والسعة وبالضيق والشدة ، كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ...) الآية [البقرة : ١٥٥]. وقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] ونحوه ، فعلى ذلك قوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) والله أعلم.
أي : نبتليهم بالسعة والرخاء والضيق والشدة.
وقال القتبي (١) : (باخِعٌ نَفْسَكَ) ، أي : مهلك نفسك.
وقال أبو عوسجة : (باخِعٌ) : بخع نفسه ، أي : أخرجها.
وقالا جميعا : الأسف : الحزن.
وقال غيرهما : الأسف : الغضب أيضا ، دليله قوله : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٥٥] أي : أغضبونا.
وقال القتبي (٢) : الصعيد : المستوي ، ويقال : وجه الأرض ، ومنه قيل للتراب : صعيد ؛ لأنه وجه الأرض ، والجرز : الأرض التي لا تنبت شيئا ، يقال : أرض جرز ، وأرضون أجراز ، وكذلك قال أبو عوسجة : والجرز : التي لا نبت فيها ، والصعيد : التراب.
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً)(١٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ حَسِبْتَ).
__________________
(١) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ٣٩٣) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (٢٦٣).
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ٣٩٣) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (٢٦٣).