وقال بعضهم : معنى (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) : يقول : إن سكت عنكم فلم يؤذن لكم فقد قيل لكم : ارجعوا ، وإن لم يقولوا بألسنتهم : ارجعوا.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وعيد ؛ كقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) [النحل : ١٩].
ثم الاستئذان على محارمه لازم ، وإن كان يجوز له أن ينظر إلى شعر ذات محرمه ووجهها فإنه منهي عن النظر إلى ما سوى ذلك من عورتها ؛ لما يخشى أن يبدو من عورة المرأة إن دخل عليها بدون إذن.
روي أن رجلا سأل نبي الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أنا أخدم أمي وأفرشتها أستأذن عليها؟ قال : «نعم». فسأله ثلاثا ؛ فقال له : «أيسرك أن تراها عريانة؟!» قال : لا قال : «فاستأذن عليها» (١).
وكذلك روي عن حذيفة أن رجلا سأله فقال : أستأذن على أختي؟ فقال : إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك.
وكذلك قال ابن مسعود (٢) وابن عباس (٣) عن أحدهما في الأم وعن الآخر في الأخت.
لكن أمره في الاستئذان على هؤلاء أسهل وأيسر من أمر الأجنبي ؛ إذ كان مطلقا له أن ينظر إلى شعر محرمه ووجهها ، والله أعلم.
وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) يحتمل قوله : (بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) وجهين :
أحدهما : بيوتا غير محتملة للسكنى ، وهي الخربات ، والمواضع التي يقضى فيها الحوائج ، وكذلك ذكر في حرف حفصة : بيوتا غير معمورة لكم فيها منافع.
والثاني : بيوتا مسكونة محتملة للسكنى إلا أن أهلها لم يسكنوها ؛ لنزول الناس فيها ، وهي نحو الخانات والرباط التي تكون للمارة ، وعلى ذلك روي في الخبر أنه لما نزلت آية الاستئذان قال أبو بكر : يا رسول الله ، فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة وبين المدينة والشام ليس فيها مساكن؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ).
وذكر في حرف ابن مسعود : ليس عليكم جناح في بيت ليس فيه ساكن أن تدخلوه.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢٩٨) ، عن عطاء بن يسار مرسلا.
(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢٩٨) ، والبيهقي ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٠).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٥٩٢٦).