أحدها : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) مما تنسبون أنتم إليه ، وتجعلونه خالقا عندكم ؛ كقوله : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] : إبراهيم لم يسمّ معبودهم الذي عبدوه إلها على جعل الألوهية له ، ولكن على ما سموا هم ونسبوا الألوهية إليه ، وكذلك قول موسى ، حيث قال : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] على ما عندهم ، ليس على تسمية الإله له حقيقة ؛ دل ما ذكرنا على أن تسمية ما ذكر وذكره يجوز ، وإن لم يكن هنالك سواه إلها خالقا ، وكذلك قوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] : ليس على أن لهم شفعاء يشفعون لهم ؛ ولكن لا شفعاء لهم ؛ فعلى ذلك ما ذكرنا.
والثاني : تأويل (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ، أي : لو جاز أن يكون خالق آخر سواه لكان هو أحسن الخالقين ، ولكن لا يجوز ، وهو كقوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [الزمر : ٤] أي : لو جاز أن يتخذ ولدا لاصطفى مما ذكر ، لكن لا يجوز ، وكذلك قوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبياء : ١٧] ، أي : لو جاز أن يكون كذا لكان كذا ، ليس على أنه يجوز أن يكون ، وكذلك قوله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ...) الآية [المؤمنون : ٩١] ، أي : لو جاز أن يكون معه إله لذهب بما ذكر ، لكن لا يجوز ؛ فعلى ذلك قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ، أي : لو جاز أن يكون هنالك خالق غيره لكان هو أحسن الخالقين ، ولكن لا يجوز ، والله الموفق.
والثالث : ذكر أحسن الخالقين ؛ لما أن العرب تسمّي كل صانع شيء خالقا ؛ فخرج الذكر لهم على ما يسمونهم ، ليس على حقيقة الخلق لمن دونه ؛ كقوله عيسى حيث قال : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ) [آل عمران : ٤٩] ، أو أن يكون ذكر هذا القول من يقول : إن العالم أصله من أربع طبائع : من الحرارة ، والبرودة ، واليبوسة ، والرطوبة.
أو أن يكون كقول بعض الفلاسفة : إن العالم أصله من أربع أو من خمس : من الماء ، والأرض ، والنار ، وغيره.
فأخبر أنه ليس كذا ، ولكن هو خالقهم لا من الأشياء التي توهموا هم.
وعلى قول من يقول : إنه يكون غيره خالقا لكان الخلق غير دالّ على الخالق ، وقد جعل الله الخلق سببا لمعرفة الخالق ، فلو كان غيره خالقا ، لكان الخلق غير دالّ على معرفة الخالق ؛ لأنه قال : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) [الرعد : ١٦] : أخبر أنه لو كان سواه في ذلك تشابه الخلق عليهم ؛ فإذا تشابه لم يكن سببا لمعرفة ، على ما أخبر في إثبات عدد الآلهة ؛ كقوله : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١] ، فإذا بطل هذا ولم يجز عدد الآلهة وإثبات الألوهية لغيره ، فعلى ذلك