الافتتان بالعجل الذي اتخذه السامري.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي).
هذا على التأويل الأول ، أي : هم يجيئون على أثري.
وعلى التأويل الثاني ، أي : تركتهم على ديني وسبيلي ، وهو قول الحسن وقتادة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى).
أي : عجلت إليك ربّ فيما دعوتني إجابة وطاعة فيما أمرتني ؛ لترضى ، هذا على التأويل الذي قال : إنه خرج وحده.
وعلى التأويل الذي يقول : إنه خرج بنفر يقول ـ والله أعلم ـ : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) ؛ إذ لم يكن لي سبب ولا معنى يمنعني عن الإسراع إلى ما دعوتني وأمرتني.
وهكذا عندنا أن من لزمه أمر الله وفرضه ، لزمه الإسراع والعجلة إلى القيام بأدائه ، إذا لم يكن هناك سبب يمنعه عن التعجيل له والقيام به ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ).
الفتنة : هي المحنة التي فيها شدائد وبلايا ، ومعنى الافتتان هاهنا : هو ما فتنهم بالعجل الذي اتخذه السامري ، جعله جسدا بدم ولحم على ما ذكر ، ونفخ فيه الروح ، وجعل له خوار ، فذلك معنى الافتتان منه إياهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ).
أضاف الإضلال إلى السامري ؛ لأنه كان سبب إضلالهم حيث اتخذ لهم العجل ، ودعاهم إلى عبادته ، وقال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) ، فأضاف الإضلال إليه ؛ لما ذكرنا من دعائه إليه والسبب الذي كان منه ، وإلا لم يكن لأحد إضلال أحد ، وأضاف الافتتان إلى نفسه ؛ لما ذكرنا من جعل العجل جسداني من لحم ودم وروحاني.
فإن قيل : ما معنى إجراء ما أجرى على يدي السامري مع ضلالة من الآية؟
قيل : هو ـ والله أعلم ـ أنه لو ادعى لنفسه الرسالة ، لكان لا يتهيأ له ذلك ، لكنه إنما ادعى أنه إله وآثار العبودية فيه ظاهرة قائمة يعرف كل أحد أنه ليس بإله ، وأما الرسالة فإنه يجوز أن تشتبه على الناس وتلتبس عليهم ، فيمنع الله ـ عزوجل ـ من ليس برسول إذا ادعى الرسالة إقامة دلالة الرسالة لاشتباهها على الناس ، وأما الألوهية فلا يمنع عن إجراء ذلك ؛ لأن آثار العبودة وأعلام العجز فيها ظاهرة يعرفها كل أحد.
وهكذا من أتى [أهل] قرية لم يبلغهم هذا القرآن فقرأ هذا القرآن وقال : إني رسول الله إليكم [لم] يقدره الله على قراءته ، ولو ادعى الربوبية لم يمنع ؛ لأن آثار العجز عن إتيان