وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ أَكُنْ
بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا).
قال بعضهم : أي : كنت تعودني الإجابة في دعائى إياك فيما مضى.
وقال بعضهم :
أي : لم يكن دعائي مما يخيب عندك ، وهما واحد ، ذكر مننه وفضله [الذي] كان منه
إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنِّي خِفْتُ
الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي).
قال الحسن :
خاف مواليه أن يرثوا ماله ، فأما علمه ونبوته فمما لا يورث.
قال أبو بكر
الأصم : هذا لا يصح ، لا يحتمل أن يخاف زكريا وراثة ماله مواليه ؛ فيسأل ربه لذلك
الولد ليرثه ماله ، ولكن خاف أن يضيّع مواليه دينه وسننه من بعده ؛ فسأل ربه أن
يهب له الولد ليقوم مقامه في حفظ دينه وسننه.
وقال : لا
يحتمل وراثة المال ؛ لما روي في الخبر : «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه
صدقة» ، فلا يخلو هذا من أحد وجهين :
إمّا أن كان
هذا في المال له خاصّة دون سائر الأنبياء ، وإما إذن لم يكن زكريا نبيّا فدلّ هذا
أنه لا يحتمل وراثة المال فدلّ أنه على العلم : أن يضيع الموالي علمي من ورائي.
ويحتمل قوله : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ
وَرائِي) ، وسؤاله الولد وجها آخر ، وهو أنه سأل ربه الولد الرضى
الطيب ؛ ليذكر هو به بعد وفاته بالأعمال والصنيع الذي كان منه في حياته ، ويدعى له
، لئلا ينقطع ذكره ، ودعاء الخلق له ، وهذا هو المعروف في الخلق أنهم يذكرون
ويدعون لهم بالخيرات التي كانت في حال حياتهم ، إذا كان له ولد صالح فعلى ذلك سؤال
زكريا الولد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَتِ امْرَأَتِي
عاقِراً) أي : لا تلد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي) أي : يلي أمري.
وقوله : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ).
قال بعض أهل
التأويل : ما ذكرنا : يرثني مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة ، وقيل : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) وارثا يرثني مكاني ، ونبوتي ، ويرث من آل يعقوب الملك ؛
لأنهم كانوا ملوكا ، وكانوا أخواله ، وهو كان حبرا ، والله أعلم بذلك.
ولكن قوله : (يَرِثُنِي) ما كان له من العلم والحكمة والدّين وغيره ، ويرث من آل
يعقوب ما كان لهم من العلوم وغيرها ، فإن ثبت أن آل يعقوب كانوا أخواله ، ففيه
دلالة أن ذوي الأرحام يرثون بعضهم من بعض ، والله أعلم.
__________________