وقال الحسن (١) : ما كان إبليس من الملائكة قط طرفة عين ؛ ولكنه من الجنّ ؛ كما قال الله فهو أصل الجن ، وهو أول من عصى ربه من الجن ، [و] إن آدم هو أصل الإنس ، وهو أبوهم ؛ فعلى ذلك إبليس أبو الجنّ.
وقال بعضهم : (كانَ مِنَ الْجِنِ) ، أي : صار من الجنّ ، وكذلك قالوا : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤] أي : صار من الكافرين.
وقال بعضهم : (كانَ مِنَ الْجِنِ) ، أي : كان في علم الله في الأزل أنه يكون من الجنّ ، وكان في علم الله في الأزل أنه يكون من الكافرين وقت عصيانه ربه وإبائه السجود لآدم. وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ).
قيل (٢) : عتا وعصى ، وأصل الفسق : الخروج ، أي : خرج عن أمر ربّه ، وكذلك قال القتبي (٣) : ففسق ، أي : خرج عن طاعته ، يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه أراد بقوله : (مِنْ دُونِي) نفسه ؛ فكأنه قال : أفتتخذونه وذريته أربابا وآلهة من دوني وهم لكم [عدو] ، وليسوا بآلهة ولا أرباب ؛ فكيف يجوز أن يتخذ العدو ربا وإلها؟!
والثاني : أنه أراد بقوله : (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) ، أي : من دون أوليائي ؛ فكأنه قال : أفتتخذونه وذريته أولياء من دون أوليائي ، وهم لكم عدو ، أي : كيف تتخذون الأعداء أولياء ، وتتركون من هم لكم أولياء ولا تتخذونهم أولياء؟! والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) ، أي : بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم أن عبدوا إبليس وأطاعوه ؛ فبئس ذلك لهم بدلا.
أو أن يكون قوله : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) ، أي : ما اتخذوا أعداءهم أولياء بدلا عن أوليائه أو بدلا عن ألوهيته وربوبيته.
وقوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٣١٢٣) ، وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤١٢).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣١٣١).
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٦٨).