والظن يكون في موضع الظن ، ويكون في موضع العلم.
وقوله ـ عزوجل (فَأَرادَ) يعني : فرعون.
(أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ).
قال أهل التأويل : أراد أن يخرجهم ، ويستخفهم (مِنَ الْأَرْضِ) أي : من أرض مصر ، لكنهم قد كانوا خرجوا طائعين قبل أن يخرجهم من حيث أمر موسى بإخراجهم ، بقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) الآية [الشعراء : ٥٢] ؛ فيكون تأويل قوله : فأراد أن يخرجهم من الأرض بالقتل والهلاك من الدنيا ؛ ألا ترى أنه قال : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) [الأعراف : ١٣٧] ، أراد : من مشارق الأرض ، وإلا قد كانوا هم قد خرجوا من أرضه على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً).
هو ما قال في آية أخرى : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً ...) الآية [يونس : ٩٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : بعد هلاك فرعون لبني إسرائيل (اسْكُنُوا الْأَرْضَ).
اختلف فيه :
قال بعضهم : قوله (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) : أرض مصر التي كان يسكن فرعون ، وهو كقوله : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) [الأحزاب : ٢٧].
وقال بعضهم : اسكنوا الأرض : أرض الشام ، والأرض المقدسة ؛ كقوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ...) [المائدة : ٢١].
وقال بعضهم : (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) ليس في أرض دون أرض ، ولكن اسكنوا أي أرض شئتم ، مشارقها ومغاربها ، آمنين لا خوف عليكم على ما أرادوا أن يخرجوكم من مشارق الأرض ومغاربها بالقتل كقوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا ...) الآية ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه.
وعلى هذا قال في قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) بعث عيسى بن مريم (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي : جميعا مجتمعين من مشارق الأرض ومغاربها على ما تفرقوا.
وقال بعضهم : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني : حياة عيسى ، ونزوله من السماء (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي : جميعا بانتزاع من القرى هاهنا ، وهاهنا لفوا جميعا ، وهو مثل الأوّل.
وأمّا عامة أهل التأويل فإنهم قالوا : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) : يوم القيامة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي : جميعا أنتم وفرعون وجنوده حتى يروا كراماتكم التي أكرمتم بها ويروا هوانهم.