وهو الجرب ، وذلك أن المشركين سيقولون : إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم. قال الزجاج : لو لا أن تقتلوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات فتصيبكم منهم معرّة ، أي : إثم ، وكذا قال الجوهري ، وبه قال ابن زيد. وقال الكلبي ومقاتل وغير هما : المعرّة : كفارة قتل الخطأ ، كما في قوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (١) وقال ابن إسحاق : المعرّة : غرم الدية. وقال قطرب : المعرّة : الشدّة ، وقيل : الغمّ ، و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلّق بأن تطئوهم ، أي : غير عالمين ، وجواب لو لا محذوف ، والتقدير : لأذن الله لكم أو لما كفّ أيديكم عنهم ، واللام في (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) متعلّقة بما يدلّ عليه الجواب المقدّر ، أي : ولكن لم يأذن لكم ، أو كفّ أيديكم ليدخل الله في رحمته بذلك من يشاء من عباده وهم المؤمنون والمؤمنات الذين كانوا في مكة ، فيتمّم لهم أجورهم بإخراجهم من بين ظهراني الكفار ويفكّ أسرهم ، ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب. وقيل : اللام متعلّقة بمحذوف غير ما ذكر ، وتقديره : لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته ، والأوّل أولى. وقيل : إن «من يشاء» عباده ممّن رغب في الإسلام من المشركين (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) التزيل : التميّز ، أي : لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم لعذبنا الذين كفروا ، وقيل : التزيل : التفرق ، أي : لو تفرّق هؤلاء من هؤلاء ، وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهرهم ، والمعاني متقاربة ، والعذاب الأليم هو القتل والأسر والقهر ، والظرف في قوله : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) منصوب بفعل مقدّر ، أي : اذكر وقت جعل الذين كفروا (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) وقيل : متعلّق بعذبنا ، والحمية : الأنفة ، يقال : فلان ذو حمية ، أي : ذو أنفة وغضب ، أي : جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم ، والجعل بمعنى الإلقاء ، وحمية الجاهلية بدل من الحمية. قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان : قال أهل مكة : قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا ، فتتحدّث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزّى لا يدخلونها علينا. فهذه الحمية هي حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم. وقال الزهري : حميتهم : أنفتهم من الإقرار للنبي صلىاللهعليهوسلم بالرسالة. قرأ الجمهور : (لَوْ تَزَيَّلُوا) وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وابن عون لو تزايلوا والتزايل : التباين. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي : أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين ؛ حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحميّة ، وقيل : ثبّتهم على الرضى والتسليم (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) وهي «لا إله إلا الله» كذا قال الجمهور ، وزاد بعضهم «محمد رسول الله» صلىاللهعليهوسلم وزاد بعضهم «وحده لا شريك له». وقال الزهري هي : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وذلك أن الكفار لم يقرّوا بها ، وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الّذي كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير ، فخصّ الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها ، والأوّل أولى ؛ لأن كلمة التوحيد هي التي يتّقى بها الشرك بالله ، وقيل : كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) أي : وكان المؤمنون أحقّ بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم ؛ لأن الله سبحانه أهّلهم لدينه وصحبة رسوله صلىاللهعليهوسلم (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) قال الواحدي : قال
__________________
(١). النساء : ٩٢.