وقول الآخر :
يا مسد الخوص تعوّذ منّي |
|
إن كنت لدنا ليّنا فإنّي |
وقال أبو عبيدة : المسد : هو الحبل يكون من صوف. وقال الحسن : هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد. وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها. قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ، كانت تعير النبي صلىاللهعليهوسلم بالفقر ، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها ، فخنقها الله به فأهلكها ، وهو في الآخرة حبل من نار. وقال مجاهد وعروة بن الزبير : هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها. وقال قتادة : هو قلادة من ودع كانت لها. قال الحسن : إنما كان خرزا في عنقها. وقال سعيد بن المسيب : كان لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزّى لأنفقنها في عداوة محمد ، فيكون ذلك عذابا في جسدها يوم القيامة. والمسد : الفتل ، يقال : مسد حبله يمسده مسدا ؛ أجاد فتله.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال : «لما نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) خرج النبي صلىاللهعليهوسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ، فاجتمعوا إليه ، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقي؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ؛ فقال أبو لهب : تبا لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ)». قال : خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ابنه من كسبه ، ثم قرأت : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) قالت : وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَما كَسَبَ) قال : كسبه ولده. وأخرج ابن جرير ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي صلىاللهعليهوسلم ليعقره وأصحابه ، وقال : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) نقالة الحديث (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) قال : هي حبال تكون بمكة. ويقال : المسد : العصا التي تكون في البكرة. ويقال المسد : قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر قالت «لما نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة ، وفي يدها فهر (٢) ، وهي تقول :
مذمّما أبينا |
|
ودينه قلينا |
وأمره عصينا |
ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآه أبو بكر قال : يا رسول الله قد أقبلت ، وأنا أخاف أن تراك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنها لن تراني وقرأ قرآنا ، اعتصم به ، كما قال تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٣) فأقبلت حتى وقفت على أبي
__________________
(١). الشعراء : ٢١٤.
(٢). «الفهر» : الحجر.
(٣). الإسراء : ٤٥.