وقيل : نزلت في عتبة بن ربيعة وأبي حذيفة بن المغيرة (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) أي : اختبره وعامله معاملة من يختبره (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي : ضيّقه ولم يوسعه له ، ولا بسط له فيه (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) أي : أولاني هوانا. وهذه صفة الكافر الّذي لا يؤمن بالبعث ، لأنه لا كرامة عنده إلا الدنيا في متاعها ، ولا إهانة عنده إلا فوتها وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها ، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ويوفّقه لعمل الآخرة ، ويحتمل أن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقّظه أن ما صار إليه من الخير وما أصيب به من الشرّ في الدنيا ليس إلا للاختبار والامتحان ، وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. قرأ نافع بإثبات الياء في «أكرمن وأهانن» وصلا وحذفهما وقفا ، وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه وابن محيصن ويعقوب بإثباتهما وصلا ووقفا ، وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل والوقف اتباعا لرسم المصحف ولموافقة رؤوس الآي ، والأصل إثباتها لأنها اسم ، ومن الحذف قول الشاعر :
ومن كاشح ظاهر غمره |
|
إذا ما انتصبت له أنكرن |
أي : أنكرني. وقرأ الجمهور «فقدر» بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر بالتشديد ، وهما لغتان. وقرأ الحرميان وأبو عمرو «ربي» بفتح الياء في الموضعين وأسكنها الباقون. وقوله : (كَلَّا) ردع للإنسان القائل في الحالتين ما قال : وزجر له ، فإن الله سبحانه قد يوسع الرزق ويبسط النعم للإنسان لا لكرامته ، ويضيقه عليه لا لإهانته ، بل للاختبار والامتحان كما تقدّم. قال الفراء : كلّا في هذا الموضع بمعنى أنه لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا ، ولكن يحمد الله على الغنى والفقر. ثم انتقل سبحانه من بيان سوء أقوال الإنسان إلى بيان سوء أفعاله فقال : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) والالتفات إلى الخطاب لقصد التوبيخ والتقريع على قراءة الجمهور بالفوقية. وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالتحتية على الخبر ، وهكذا اختلفوا فيما بعد هذا من الأفعال ، فقرأ الجمهور «تحضون ، وتأكلون ، وتحبون» بالفوقية على الخطاب فيها. وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالتحتية فيها ، والجمع في هذه الأفعال باعتبار معنى الإنسان ، لأن المراد به الجنس ، أي : بل لكم أفعال هي أقبح مما ذكر ، وهي أنكم تتركون إكرام اليتيم فتأكلون ماله وتمنعونه من فضل أموالكم. قال مقاتل : نزلت في قدامة بن مظعون وكان يتيما في حجر أمية بن خلف. (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) قرأ الجمهور «تحضون» من حضّه على كذا ، أي : أغراه به ، ومفعوله محذوف ، أي : لا تحضون أنفسكم ، أو لا يحضّ بعضكم بعضا على ذلك ولا يأمر به ولا يرشد إليه ، وقرأ الكوفيون «تحاضون» بفتح التاء والحاء بعدها ألف ، وأصله تتحاضون ، فحذف إحدى التاءين ، أي : لا يحضّ بعضكم بعضا. وقرأ الكسائي في رواية عنه والسلمي «تحاضون» بضم التاء من الحضّ ، وهو الحث. وقوله : (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) متعلّق بتحضون ، وهو إما اسم مصدر ، أي : على إطعام المسكين ، أو اسم للمطعوم ، ويكون على حذف مضاف ، أي : على بذل طعام المسكين ، أو على إعطاء طعام المسكين (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) أصله الوراث ، فأبدلت التاء من الواو المضمومة ، كما في تجاه ووجاه ، والمراد به أموال اليتامى الذين يرثونه من قراباتهم ، وكذلك أموال النساء ،