ومنه قول أبي ذؤيب :
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذا ذوى |
|
وعاد ضريعا بان عنه النّحائص (١) |
وقال الهذلي يذكر إبلاء وسوء مرعاها :
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها |
|
حدباء دامية اليدين حرود (٢) |
وقال سعيد بن جبير : الضريع : الحجارة ، وقيل : هو شجرة في نار جهنم. وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه الله من العذاب. وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون ويتضرّعون إلى الله بالخلاص منه ، فسمّي بذلك ؛ لأن آكله يتضرّع إلى الله في أن يعفى عنه لكراهته وخشونته. قال النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع وهو الذليل ، أي : من شربه يلحقه ضراعة وذلة. وقال الحسن أيضا : هو الزقوم ، وقيل : هو واد في جهنم ، وقد تقدّم في سورة الحاقة (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ ـ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (٣) والغسلين غير الضريع كما تقدّم ، وجمع بين الآيتين بأن النار دركات ، فمنهم من طعامه الضريع ، ومنهم من طعامه الغسلين. ثم وصف سبحانه الضريع فقال : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أي : لا يسمن الضريع آكله ولا يدفع عنه ما به من الجوع. قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية. قال المشركون : إن إبلنا تسمن من الضريع ، فنزلت : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) وكذبوا في قولهم هذا ، فإن الإبل لا تأكل الضريع ولا تقربه. وقيل : اشتبه عليهم أمره فظنوه كغيره من النبات النافع. ثم شرع سبحانه في بيان حال أهل الجنة بعد الفراغ من بيان حال أهل النار فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) أي : ذات نعمة وبهجة ، وهي وجوه المؤمنين صارت وجوههم ناعمة لما شاهدوا من عاقبة أمرهم وما أعدّه الله لهم من الخير الّذي يفوق الوصف ، ومثله قوله : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٤) ثم قال : (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) أي : لعملها الّذي عملته في الدنيا راضية ؛ لأنها قد أعطيت من الأجر ما أرضاها وقرّت به عيونها ، والمراد بالوجوه هنا أصحابها كما تقدّم (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي عالية المكان مرتفعة على غيرها من الأمكنة ، أو عالية لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) قرأ الجمهور : (لا تَسْمَعُ) بفتح الفوقية ونصب لاغية ، أي : لا تسمع أنت أيها المخاطب ، أو لا تسمع تلك الوجوه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتحتية مضمومة مبنيا للمفعول ورفع لاغية. وقرأ نافع بالفوقية مضمومة مبنيا للمفعول ورفع لاغية. وقرأ الفضل والجحدري بفتح التحتية مبنيا للفاعل ونصب لاغية ، واللغو : الكلام الساقط. قال الفرّاء والأخفش : أي لا تسمع فيها كلمة لغو.
__________________
(١). «النحائص» : جمع نحوص ، وهي الأتان الوحشية التي في بطنها ولد.
(٢). «هزيم الضريع» : ما تكسر منه. «الحدباء» : الناقة التي بدت حراقفها وعظم ظهرها. «الحرود» : التي لا تكاد تدرّ.
(٣). الحاقة : ٣٥ ـ ٣٦.
(٤). المطففين : ٢٤.