وأركب في الرّوع عريانة |
|
ذلول الجناح لقاحا ودودا |
أي : لا ولد لها تحنّ إليه. وقيل : الودود بمعنى المودود ، أي : يودّه عباده الصالحون ويحبونه ، كذا قال الأزهري. قال : ويجوز أن يكون فعول بمعنى فاعل ، أي : يكون محبا لهم. قال : وكلتا الصفتين مدح ، لأنه جلّ ذكره إن أحبّ عباده المطيعين فهو فضل منه ، وإن أحبه عباده العارفون فلما تقرّر عندهم من كريم إحسانه. قرأ الجمهور (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) برفع المجيد على أنه نعت لذو ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا : لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل ، والل سبحانه هو المنعوت بذلك. وقرأ الكوفيون إلا عاصما بالجر على أنه نعت للعرش. وقد وصف سبحانه عرشه بالكرم كما في آخر سورة المؤمنون. وقيل : هو نعت لربك ، ولا يضرّ الفصل بينهما لأنها صفات لله سبحانه. وقال مكي : هو خبر بعد خبر ، والأوّل أولى. ومعنى ذو العرش : ذو الملك والسلطان كما يقال : فلان على سرير ملكه ، ومنه قول الشاعر :
رأوا عرشي تثلّم جانباه |
|
فلمّا أن تثلّم أفردوني |
وقول الآخر :
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم |
|
بعتيبة بن الحارث بن شهاب |
وقيل : المراد خالق العرش (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) أي : من الإبداء والإعادة. قال عطاء : لا يعجز عن شيء يريده ولا يمتنع منه شيء طلبه ، وارتفاع «فعال» على أنه خبر مبتدأ محذوف. قال الفراء : هو رفع على التكرير والاستئناف ، لأنه نكرة محضة ، قال ابن جرير : رفع «فعال» ، وهو نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود ، وإنما قال : فعال لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) والجملة مستأنفة مقرّرة لما تقدّم بطشه سبحانه وكونه فعالا لما يريده ، وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي : هل أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم المتجندة عليها. ثم بينهم فقال : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) وهو بدل من الجنود ، والمراد بفرعون هو وقومه ، والمراد بثمود القوم المعروفون ، والمراد بحديثهم ما وقع منهم من الكفر والعناد وما وقع عليهم من العذاب ، وقصتهم مشهورة قد تكرّر في الكتاب العزيز ذكرها في غير موضع ، واقتصر على الطائفتين لاشتهار أمرهما عند أهل الكتاب وعند مشركي العرب ودلّ بهما على أمثالهما. ثم أضرب عن مماثلة هؤلاء الكفار الموجودين في عصره صلىاللهعليهوسلم لمن تقدّم ذكره ، وبين أنهم أشدّ منهم في الكفر والتكذيب فقال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) أي بل هؤلاء المشركون من العرب في تكذيب شديد لك ، ولما جئت به ، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) أي : يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك ، والإحاطة بالشيء : الحصر له من جميع جوانبه ، فهو تمثيل لعدم نجاتهم بعدم فوت المحاط به على المحيط. ثم ردّ سبحانه تكذيبهم بالقرآن فقال (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي : متناه في الشرف والكرم والبركة لكونه بيانا لما شرعه الله لعباده من أحكام الدّين والدنيا ، وليس هو كما يقولون إنه شعر وكهانة وسحر (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) أي : مكتوب في لوح ، وهو أمّ الكتاب